تنظيم وترتيب حكم حقوق الله

إعداد دائرة الأبحاث في المركز البهائيّ العالميّ في عام 1987، وتمّت مراجعتها بناءً على طلب بيت العدل الأعظم في عام 2007

***

  1. مقدّمـــة

إنّ حقوق الله هو حكم عظيم (13)[1] ومؤسّسة مقدّسة.  نزل هذا الحكم في الكتاب الأقدس المستطاب، ويُعدُّ إحدى الوسائل الرّئيسيّة في تشييد أساس بنيان نظام حضرة بهاء الله العالميّ وتقوية دعائمه.  فلهذا الحكم نتائج بعيدة المدى بدءًا من تعزيز رفاهية الفرد إلى دعم سلطة مرجع الدّين المبارك وتوسيع نطاق فعاليّته.  وبتوفيره مصدر دخل منتظم ومنهجيّ للمؤسّسة الأعلى للأمر المبارك، فقد ضَمِن حضرة بهاء الله للمركز العالميّ لدينه وسائل تُتيح استقلال عمله بشكل قاطع.

وبتعريف هذا الحكم بأنّه "حقّ الله"، أعاد حضرة بهاء الله التّأكيد على طبيعة العلاقة بين البشر وخالقهم على أنّها ميثاق قائم على العهود والالتزامات المتبادلة.  وبتعيينه المرجع الأعلى للأمر المبارك، الّذي إليه يجب أن يتوجّه الجميع، مرجعًا يعود إليه هذا الحقّ، فقد أوجد حضرته علاقة مباشرة وحيويّة بين كلّ فرد من المؤمنين والمرجع الأعلى لدينه المبارك، وهي علاقة فريدة في بنيان نظامه العالميّ.  إنّ هذا الحكم يمكّن الأحبّاء من إدراك ارتقاء فعاليّتهم المادّيّة إلى مستوى القبول الإلهيّ؛ فهو وسيلة لتطهير أموالهم، ومغناطيس يجذب البركات الإلهيّة.  إنّ احتساب حقوق الله وتأديتها، ضمن نطاق الإرشادات العامّة المعلنة، أمر وجدانيّ بكليّته بين الفرد والله (56، 82)؛ فالمطالبة بحقوق الله أو التماسها أمرٌ منهيٌّ عنه (56، 82، 83، 93، 106)، إلّا أنّ توجيه النّداء والتّذكير والتّشجيع بشكل عام تحت رعاية المؤسّسات الأمريّة أمر مسموح به (94، 96، 97، 100).  إنّ كون إطاعة هذا الحكم وتنفيذه، الّذي هو أمرٌ في غاية الأهمّيّة لصالح الجّامعة البهائيّة النّاشئة من النّاحية المادّيّة (29)، قد تُرِكَ بالكلّيّة لإيمان الفرد ووجدانه، يعطي بعدًا جوهريًّا وواقعيًّا لما دعاه حضرة المولى بالحلّ الرّوحانيّ للمشاكل الاقتصاديّة ويلقي الضّوء عليه.  وفي الواقع، فإنّ الآثار المترتّبة على تطبيق حكم حقوق الله لتحقيق عدد من المبادئ البهائيّة، مثل القضاء على الفقر المدقع والغنى الفاحش، وتوزيع أكثر إنصافًا للثّروات والموارد، ستزداد وضوحًا وجلاءً كلّما ازداد الأحبّاء اضطلاعًا بمسؤوليّتهم في تنفيذ هذا الحكم. 

لقد أعلن الكتاب الأقدس أسس حكم حقوق الله.  ونجد مزيدًا من التّفاصيل حول خصائصه في آثار حضرة بهاء الله الأخرى، وفي ألواح حضرة عبد البهاء، وفي تواقيع حضرة شوقي أفندي، ورسائل بيت العدل الأعظم، الّتي جاءت غالبيّتها ردًّا على استفساراتٍ أثيرت من قِبَل الأحبّاء.  وقد قامت دائرة الأبحاث التّابعة لبيت العدل الأعظم بجمع كلّ هذه المراجع الأساسيّة ونشرها في مجموعة مستقلّة.  وإنّ دراسة لمجموعة النّصوص تلك تُظهِر بوضوح أنّ تطبيق هذا الحكم قد تمّ بشكل تدريجيّ، وسيستمرّ الأمر كذلك مع شرح وتوضيح نتائجه وأحكامه الفرعية.

فيما يلي محاولة مبدئيّة لتنظيم وترتيب المعلومات الواردة في الآثار المباركة حول موضوع حقوق الله.  إلّا أنّه يجب التّأكيد على الأحبّاء ألّا يعتبروا ما جاء فيها على سبيل الحصر أو أنّها شاملة لكلّ شيء.  فالأسئلة الّتي قُدِّمت لحضرة بهاء الله وحضرة المولى وحضرة شوقي أفندي كانت من قِبَلِ أحبّاء يقيمون في أماكن وأزمنة هي في أنظمتها الاقتصاديّة وعلاقاتها أبسط بكثير ممّا هي عليه اليوم.  وما يمكن أن نستخلصه من تلك البيانات المباركة هو مبادئ هادية واضحة يجب أن يؤخذ تطبيقها وفقًا للمتغيّرات والظّروف الأكثر تعقيدًا بعين الاعتبار.  إنّ الموضوع، دون شك، سيشغل بيت العدل الأعظم لأمد طويل في وضع التّشريعات كلمّا دعت الحاجة إلى ذلك.  وبينما تتكشّف المرحلة الخامسة من عصر التّكوين لديننا أمام أعين إنسانيّة مراقبة على نحو متزايد، فإنّ التزام عموم الأحبّاء بحكم حقوق الله سيكون مؤشّرًا واضحًا على بلوغ جامعة الاسم الأعظم، في العالم أجمع، مستوىً جديدًا من النّضج الرّوحانيّ.

  1. نعمة من الله

إنّ الله غنيّ عن العالمين، ومع ذلك، فقد أنعم علينا فضلًا من لدنه بهذا الحكم (3، 13، 22) لأنّ تقدّم وترويج الأمر الإلهيّ يعتمدان على الوسائل المادّيّة (4، 29).  إنّ الامتثال لهذا الحكم يمكِّن المؤمن من الثّبات والرّسوخ على الميثاق (22)، ويهب النّعم والآلاء في كلّ عالم من العوالم الإلهيّة (13)، وهو امتحان فريد للإيمان الصادق (24).

يجب أن تُؤدَّى حقوق الله بغاية الفرح والسّرور ودون تردّد (6، 8، 83).  وعندما يؤدّي الأحبّاء حقوق الله بهذه الرّوح فإنّها تُكسبهم النّعمة والبركة والحفظ وتطهّر ممتلكاتهم الدّنيويّة (2، 9، 17، 31، 54، 88)، وتمكّنهم وذريّتهم من الاستفادة من ثمار مساعيهم (17).

 

  1. تعيين مقدار حقــوق الله

كلّ ما يملكه المؤمن، باستثناء أشياء محدّدة، خاضع لحقوق الله وتؤدّى عنه مرّة واحدة فقط. 

  • ما يستثنى عند احتساب حقوق الله:
  • بيت السّكنى ومستلزماتها [2] ومتاعها (36).
  • الأدوات اللّازمة للعمل والزّراعة الّتي تُدرّ دخلًا لعيش الفرد (42، 46، 47).
  • الشّروط الّتي يستحقُّ عندها أداء حقوق الله:
  • تستحقُّ حقوق الله عند بلوغ قيمة ممتلكات الفرد الخاضعة للحقوق ۱9 مثقالًا من الذّهب أو تزيد عنه (43). [19 مثقال = 2.2 أوقية ترويسيّة تقريبًا أو69.2غم تقريبًا (52).]
  • المقدار الّذي يجب أداؤه هو 19% من قيمة الممتلكات الخاضعة للحقوق (3، 34).
  • دفعات حقوق الله تؤدّى عن وحدات كاملة من 19 مثقالًا من الذّهب (41).
  • تؤدّى حقوق الله عن وحدات إضافيّة من 19 مثقالًا من الذّهب عندما تَرْفع الممتلكات الّتي تمّ تملّكها لاحقًا قيمة الممتلكات الخاضعة للحقوق، بعد حسم المصاريف السّنويّة، إلى مقدار النّصاب. ومن المصاريف الّتي تحسم:
  • المصاريف العامّة للمعيشة (45، 48، 49).
  • الخسائر والمصاريف النّاجمة عن بيع الممتلكات (55، 78).
  • المبالغ الّتي تُدفع للدّولة مثل الضّرائب المفروضة والرّسوم (49).
  • عندما يحصل الفرد على هديّة أو إرث فيجب إضافتها لممتلكاته واحتساب الزّيادة في القيمة الكليّة للممتلكات بنفس الطّريقة الّتي يتمّ فيها احتساب الزّيادة في الدّخل السّنويّ بعد حسم النّفقات(60، 74).
  • إذا ارتفعت قيمة ممتلك ما، فلا تؤدّى حقوق الله عن مقدار ذلك الارتفاع إلى أن يتحقّق؛ عند بيعه مثلًا (67).
  • إذا تناقصت قيمة الممتلكات، كأن تكون المصروفات على مدى العام تزيد عن الدّخل، فإنّ حقوق الله يستحقّ دفعها مُجدّدًا فقط بعد تعويض تلك الخسارة وازدياد القيمة الإجماليّة لممتلكات الفرد الخاضعة للحقوق (37، 38، 41، 43، 45-47، 49، 60، 72).
  • يتقدّم أداء الدّيون على أداء حقوق الله (35، 68، 71).
  • إنّ أداء حقوق الله منوط باستطاعة الفرد المادّيّة للإيفاء بالتزاماته (33).
  • في حال وفاة المؤمن فإنّ حقوق الله تؤدّى تبعًا لما يلي:
  • أوّلا، تُدفع مصاريف الدّفن من التّركة ( الممتلكات) (35).
  • ثانيًا، يجب دفع ديون المتوفّى (40).
  • عندها يجب أداء حقوق الله المستحقّة على الممتلكات. ولتحديد صافي قيمة الممتلكات الّتي لم تؤدَّ عنها حقوق الله، من الضّروري حسم المصاريف التّالية من قيمتها:  مصاريف الدّفن (35)، ديون المتوفّى (40)، الخسارة الحاصلة في قيمة الموجودات عند بيعها (55)، المصاريف المتحقّقة على بيع الموجودات (55)، بيت السُّكنى الأساسيّ وكذلك أشياء من قبيل الأثاث الضروريّ وأدوات العمل تبقى معفيّة (79).
  • ملاحظات أخرى عند احتساب حقوق الله :
  • يتوجّب على كلّ مؤمن أن يتعلّم ليس فقط كيفيّة احتساب حقوق الله خلال حياته، بل أيضًا كيفيّة الإعداد والتّرتيب لأداء حقوق الله عن الرّصيد المتبقّي عند وفاته (65، 68).
  • رغم أنّ الأحكام تمنح مهلة معيّنة في تحديد موعد أداء حقوق الله، فإنّه من المستحسن أن يؤدّيها المؤمن خلال حياته عند استحقاقها (73)، وفي هذه الحالة فإنّ دفعة حقوق الله الوحيدة الّتي يجب الإعداد والتّرتيب لدفعها في الوصيّة هي أيّة دفعة إضافيّة قد يتبيّن أنّها تستحقّ عليه عند تصفية حسابات شؤونه الماليّة عند وفاته (65).
  • لا يستطيع المؤمن القيام بواجب مؤمن آخر في أداء حقوق الله، كما أنّه لا يستطيع أن يحدّد جهة صرف المبلغ الّذي يقدّمه لحقوق الله، أو أن يقدّمه تكريمًا لشخص آخر (64، 80).
  • إنّ أداء حقوق الله هو واجب يلتزم به أفراد المؤمنين فقط، ولا يتوجّب على المؤسّسات الأمريّة أو الشّركات (76).
  • يُترك للفرد أن يقرّر أيّ المصاريف تُعتبر "ضروريّة" وبناءً عليه يمكن حسمها عند احتساب الزّيادة السّنويّة لمدّخراته، وما هو أثاث البيت الّذي يعتبر "ضروريًّا" فيُعفى بالتّالي من حقوق الله (19، 45، 46، 48-50، 56-58، 61، 70).
  • رغم الإشارة إلى أداء حقوق الله سنويًّا، إلّا أنّ موعد وأسلوب الأداء متروك لاختيار الفرد المؤمن ليقرّره (69، 72، 78). وعليه، ليس هناك إلزام في التّعجيل بتحويل ممتلكات شخص إلى نقد كي يتمكّن من أداء ما يترتّب عليه من حقوق الله (55).
  • للزّوج والزّوجة حرّية تقرير ما إذا كانا يرغبان في نيل شرف أداء حقوق الله مجتمعيْن أو منفرديْن (59، 71، 74).
  • يجب أن يُفصل حساب حقوق الله عن التّبرّعات الأخرى، إذ إنّ التّصرّف في أموال حقوق الله يعود إلى مرجع الأمر، الّذي يجب أن يتوجّه إليه الجّميع، بينما غايات التّبرّع للصّناديق الأخرى قد يقرّرها المتبرّعون أنفسهم.
  • لأداء حقوق الله الأولويّة على أيّ تبرّع للصّناديق الأمريّة الأخرى (49، 54، 57) وعلى مصاريف الحجّ أيضًا (2). ومع ذلك يُترك للفرد قرار اعتبار التّبرّعات للصّناديق الأمريّة ضمن المصاريف عند احتسابه قيمة ممتلكاته الّتي تترتّب عليها حقوق الله (57)، أو أن يتبرّع فقط من الأموال الّتي أدّى عنها حقوق الله (62).  كما يحقّ له أيضًا اختيار معاملة بعض التّبرّعات بالطّريقة الأولى وبعضها الآخر بالطّريقة الأخرى (62). 
  1. تطبيق حكم حقوق الله

لعقود طويلة كان حكم حقوق الله المقدّس مطبّقًا فقط على المؤمنين في الشّرق الأوسط، أمّا تطبيقه على نطاق عالميّ فقد قرّره بيت العدل الأعظم إبتداءً من رضوان عام 1992، أي في بداية السّنة المقدّسة بمناسبة مرور مائة عام على صعود حضرة بهاء الله (28).

  1. أداء حقوق الله

كانت حقوق الله، لغاية صعود أيادي أمر الله الّذي عُيّن أمينًا أوّل لحقوق الله، تُدفع لأمين حقوق الله ووكلائه أو إلى ممثّليهم المُعيّنين (85، 87، 102) وتقوم الهيئة العالميّة لأمناء حقوق الله، الّتي عيّنها بيت العدل الأعظم، بمهام الأمين الأوّل (100، 101، 103).  وتعيّن هذه المؤسّسة أعضاء هيئات الأمناء الإقليميّة والمركزيّة، وتشرّف على عمل الوكلاء والممثّلين، وتنتفع من خدمات مكتب حقوق الله في المركز البهائيّ العالميّ في القيام ببعض الوظائف كإصدار الإيصالات (101).

  1. إدارة حقوق الله

إنّ القرارات الخاصّة بالأحكام الضّروريّة المتعلّقة بحقوق الله (51، 54)، وأوجه صرفها أيضًا، هي من صلاحيّة المرجع الأعلى في الأمر المبارك وحده.  ومن الممكن استخدام حقوق الله للأمور الخيريّة (24، 25، 45)، أو لغايات أخرى تصبّ في مصلحة أمر الله (109، 110، 112).

 

 [1] الأرقام بين قوسين ترجع الى الفقرات من مجموعة النصوص المباركة لحقوق الله المعدلة في عام 2007 الّتي نشرها بيت العدل الأعظم حسب تعديلها في آب / أغسطس 2009.

[2]  انظر فقرة 3-ج5