[ترجمة]

تمّوز/يوليو 2013

 

إلى المشاركين في مؤتمرات الشّباب الـمائة والأربعة عشر القادمة في كافّة أنحاء العالم

الأحبّاء الأعزّاء،

عندما نهض هيكل حضرة الأعلى المبارك، وهو في الخامسة والعشرين فقط من عمره، لإيصال رسالته الثّوريّة إلى العالم، كان العديد من الّذين قبلوا تعاليمه وقاموا بنشرها شبابًا، بل حتّى أصغر سنًّا من حضرة الباب نفسه.  وستُضيئ بطولتُهم الّتي خُلّدت بكلّ ما فيها من زخم يُبهر الأبصار في "مطالع الأنوار" سِجلَّ تاريخ الإنسانيّة لقرون قادمة.  هكذا بدأ نمطٌ انتهز فيه كلُّ جيلٍ من الشّباب، مستلهمًا من نفس الباعث الإلهيّ لتشكيل العالم من جديد، الفرصةَ للمساهمة بأحدث مرحلة في عمليّة التّكشّف الّتي ستُحوّل حياة البشريّة.  نمطٌ لم يتعرّض لأيّ انقطاع منذ أيّام حضرة الباب وحتّى هذه السّاعة. 

إنّ التّضحية والبذل اللّذين قدّمهما أسلافكم الرّوحانيّون طوال حياتهم قد حقّقا الكثير في سبيل تأسيس أمر الله في شتّى الأقطار وتسريع ظهور جامعة عالميّة ذات هدف.  ومع أنّ المهام الماثلة أمامكم ليست نفس مهامّهم، إلّا أنّ المسؤوليّات الّتي ائتُمنتُم عليها لا تقلّ عنها حيويّة.  فبعد عقود عديدة، فإنّ المجهودات، عالميّة النّطاق للجامعة في كافّة أنحاء العالم لاكتساب فهم أوفى لرسالة حضرة بهاء اللّه وتطبيق المبادئ المكنوزة فيها، قد تكلّلت ببروز إطار عمل فعّال تمّ صقله مع التّجربة.  وإنّكم لمحظوظون لحسن اطّلاعكم على أساليبه ومقارباته الّتي ترسّخت الآن بإحكام، فمن خلال المثابرة في استخدامها، رأى العديد منكم بأمّ عينه فعليًّا علامات قوّة بناء المجتمع الّتي تمتلكها التّعاليم الإلهيّة.  أنتم مدعوّون في المؤتمر الّذي تحضرونه، إلى التّفكّر في المساهمة الّتي يمكن أن يقدّمها أيّ شاب يرغب في تلبية دعوة حضرة بهاء اللّه ويساعد في إطلاق هذه القوّة من عُقالها.  ولمساعدتكم، حُدّد لكم عددٌ من المواضيع بُغية استكشافها، تبدأ من النّظر في الحقبة الحاليّة من حياتكم.

سيجتمع حول العالم، وفي العشرات من مؤتمرات الشّباب الّتي تشترك بنفس الهدف، عشرات الآلاف من الّذين يملكون الكثير من القواسم المشتركة.  فمع أنّ واقع حياة كلّ منكم قد شكّلته ظروف متعدّدة متباينة، إلّا أنّ الرّغبة في إحداث تغيير بنّاء والقدرة على القيام بخدمة هادفة، وهما من سمات مرحلتكم العُمريّة، لا تقتصران على عرق أو جنسيّة، ولا تتوقّفان على الوسائل المادّيّة.  إنّ مرحلة الشّباب المشرقة هذه الّتي تمرّون بها الآن قد اختبرها الجميع، لكنّها قصيرة الأمد، ويقارعها العديد من القوى الاجتماعيّة.  فكم هو مهمّ، إذن، أن نسعى جاهدين لنكون من تلك النّفوس الّتي، بكلمات حضرة عبد البهاء، "فازت بثمرة الحياة". 

آخذين ذلك بالاعتبار، نحن سعداء لانخراط الكثير منكم فعليًّا في الخدمة عن طريق القيام بنشاطات بناء الجامعة، وكذلك تنظيم أو تنسيق أو إدارة جهود الآخرين بطريقة أو بأخرى؛ وفي جميع هذه المساعي الّتي تقومون بها أنتم تحملون على عواتقكم قدرًا متزايدًا من المسؤوليّة.  من غير المُستغرَب، أنّ فئتكم العُمْريّة هي الّتي تلقي بالمسؤوليّة على أكتافكم.  فمن غير المُستغرَب، أنّ فئتكم العُمريّة هي الّتي تكتسب معظم الخبرات في مجال المساعدة في التّطوّر الأخلاقيّ والرّوحانيّ للشّباب النّاشئ والأطفال، وتعزّز لديهم القدرة على الخدمة الجماعيّة والصّداقة الحقيقيّة.  وبالطّبع فلأنّكم مطّلعون على أوضاع العالم الّذي يتوجّب على هؤلاء الشّباب النّاشئ أن يشقّوا طريقهم فيه، بكلّ أخطاره المحيقة وفرصه المُتاحة، فإنّكم تدركون بكّل سهولة ويسر أهميّة تقويتهم وإعدادهم روحانيًّا.  ولإدراككم بأنّ حضرة بهاء اللّه قد جاء لإحداث التّغيير والتّبديل في العالم ظاهرًا وباطنًا، فإنّكم تمدّون يد العون لمن هم أصغر منكم سنًّا ليعملوا على تهذيب أخلاقهم ويتهيّئوا لتحمّل مسؤوليّة خير ورفاهة جامعاتهم.  ومع بلوغهم سنّ المراهقة، فإنّكم تعملون على مساعدتهم في تعزيز قوّة التّعبير لديهم، وعلى غرس حسًّ أخلاقيًّ قويٍّ ليتجذّر في نفوسهم.  ولدى قيامكم بذلك، وبمراعاتكم وصيّة حضرة بهاء اللّه "بأعمالكم تزيّنوا لا بأقوالكم."  

إنّ سير الفرد على طريق الخدمة، بغضّ النّظر عن نوع النّشاط الّذي يقوم به، يتطلّب إيمانًا واستقامةً.  وفي هذا الصّدد، فإنّ السّير على هذا الطّريق برفقة آخرين له فوائد جمّةٌ.  فعلاقة الزّمالة الحُبيّة، والتّشجيع المتبادل، والرّغبة في التّعلّم معًا هي خصائص طبيعيّة لأيّ مجموعة من الشّباب يسعون جاهدين بكلّ إخلاص لتحقيق الأهداف نفسها، وينبغي لها كذلك أن تَسِم تلك العلاقات الأساسيّة الّتي تربط مكوّنات المجتمع معًا.  ولهذا، يحدونا الأمل بأنّ تحافظ العلاقات الّتي تنشأ من خلال معاشرتكم مع مشاركين آخرين في المؤتمر على بقائها ودوامها.  وفي الحقيقة، بعد فترة طويلة من اختتام هذه الاجتماعات، نأمل أن تساعد هذه الأواصر من الصّداقة والمهمّة المشتركة على المحافظة على ثباتكم ورسوخكم.

إنّ الإمكانات الّتي يقدّمها العمل الجماعيّ تتجلّى بوضوح في عمل بناء الجامعة، وهي عمليّة تكتسب زخمًا في العديد من المجموعات الجغرافيّة وفي الأحياء والقرى المنتشرة في جميع أنحاء العالم والّتي أصبحت مراكز لنشاط مكثّف.  وغالبًا ما يكون الشّباب في طليعة العمل في هذه الوضعيّات، ليس الشّباب البهائيّ فحسب، بل الّذين يشاركونهم أفكارهم ويستطيعون مشاهدة التّأثيرات الإيجابيّة لمبادرات البهائيّين وفهم رؤية الوحدة والتّحوّل الرّوحانيّ الّتي تقوم عليها أيضًا.  في أماكن كهذه، فإنّ ضرورة إشراك القلوب المستعدّة برسالة حضرة بهاء اللّه واستكشاف مضامينها لعالم اليوم قد تمّ استشعارها بكلّ شغف وحماس.  وفي الوقت الّذي يرحّب فيه السّواد الأعظم من المجتمع السّلبية واللّامبالاة، بل والأسوء من ذلك، يشجّع على السّلوك الّذي يضرّ الفرد نفسه ويضرّ بالآخرين، هناك نقيض واضح يقدّمه أولئك الّذين يعزّزون قدرة السّكّان لغرس واستدامة نمط مُثرٍ روحانيًّا لحياة الجامعة.

رغم أنّ أُناسًا عديدين يشيدون بحيويّتكم ومُثُلكم العليا، إلّا أنّ المغزى الحقيقيّ لمساعيكم الجماعيّة يبدو غير واضحٍ للعالم.  إلّا أنّكم واعون لدوركم في العمليّة الجبّارة المقلّبة للقلوب الّتي ستسفر بمرور الوقت عن ظهور مدنيّةٍ عالميّةٍ تعكس وحدة الجنس البشريّ.  أنتم تعلمون جيّدًا بأنّ عادات العقل والرّوح الّتي تعملون على تنشئتها في أنفسكم وفي الآخرين ستدوم وستؤثّر في اتّخاذكم قرارات هامّة تتعلّق بالزّواج والعائلة والدّراسة والعمل وحتّى في تحديد مكان الإقامة.  فالوعي بهذه المفاهيم الواسعة يساعد على تحطيم المرآة المشوِّهة الّتي تُظهِر المحن والمشاكل والعقبات وسوء الفهم الّتي نواجهها يوميًّا أمورًا لا يمكن التّغلّب عليها.  إنّ الإرادة اللّازمة لإحراز التّقدم في مسير التّرقّي الرّوحاني تُستجمع بسهولة أكبر عندما يوجّه الفرد طاقاته نحو هدفٍ أسمى.  ومع انتماء الفرد إلى جامعة يوحّدها ذلك الهدف فإنّ هذا الأمر يكون أسهل بكثير.

إنّ جميع هذه الأفكار ما هي إلّا مداخلٌ لحديث شامل يتوسّع باستمرار وسينتشر خلال المؤتمرات ويمتدّ إلى ما بعدها بكثير عندما تشركون العديد من الآخرين في مناقشات جادّة تسمو بالفؤاد وتنبّه العقل لماهيّة الإمكانيّات المُحتملة.  وتعويلكم على خبرتكم الجماعيّة سيزيد من ثراء مداولاتكم.  في هذا الوقت المواتِ، ستكون قلوبنا معكم، ومع اختتام أعمال كلّ مؤتمر، سنتطلّع بشوق لنشهد ما سيتبعه.  وسنلتمس من العليّ القدير لكلّ مؤتمر أن يُسبغ على المشاركين فيه قدرًا من فضله اللّامتناهي، عالمين، مثلكم، بأنّ المدد الإلهيّ قد وعد به سبحانه كافّة الّذين ينهضون لخدمة الجنس البشريّ تلبية لنداء حضرة بهاء الله المحفّز للعالم.

 

[التّوقيع:  بيت العدل الأعظم]