[ترجمة]
10 أيار/مايو2013
إلى أتباع حضرة بهاء الله في أرض إيران المقدّسة
إنّ وفود ما ينوف عن ألف وكيل يمثّلون الجامعات البهائيّة المركزيّة في شتّى أقطار المعمورة للمشاركة في المؤتمر البهائيّ العالميّ الحادي عشر في الأرض الأقدس قد اتّسم بالحماس والانفعال والعظمة والجلال بحيث سالت عبرات البهجة والاشتياق من العيون والأحداق. واجتماع أولئك الخدّام المحترمين لأمر الله رجالًا ونساءً من شتّى الخلفيات الإثنيّة والعرقيّة كان نموذجًا يعكس تنوّع الجنس البشريّ، وشاهدًا على دخول أمر الله في مرحلة جديدة من الاستحكام بين الجامعات المحلّيّة والأقوام المختلفة في سائر قارات العالم، وحاكيًا عن تأييدات الملأ الأعلى وتأثيرات المساعي الدّؤوبة لأتباع حضرة بهاء الله في سبيل استقرار ملكوت الله على عرصة الغبراء. وجرى انتخاب أعضاء بيت العدل الأعظم في جوّ مفعم بالإخلاص والرّوحانيّة والألفة والمحبّة ومجردٍ تمامًا من الفساد الّذي غالبًا ما يصاحب الانتخابات في هذا العالم المادّيّ. وفي كلّ جلسةٍ من جلسات المشورة الّتي طُرحت فيها إنجازات الجامعة البهائيّة العالميّة جاء ذكر التّأثيرات المشهودة للقوى الرّوحانيّة المنبعثة عن تضحياتكم وفدائكم أيُّها الأعزاء وردًّا على كلّ لسان ومحورًا لكلّ كلام. والباقة الجميلة من الورود الحمراء قد أبقت ذكرى أحبّاء مهد أمر الله الأعزاء حيّة دومًا في خاطر الجميع. وفي اليوم الثّاني من المؤتمر وبعد الإصغاء إلى شرح عن محبّتكم الخالصة لجمال القِدَم ورغبتكم واستقامتكم في سبيل إعلاء أمره العزيز، قام جمع من الوكلاء من قارة أفريقيا بإنشاد أغنية محييّة للأرواح تكريمًا لكم أيُّها الأحبّاء الأودّاء. وأثناء تشرّف الوكلاء بزيارة الرّوضة المباركة والمقامات المقدّسة لهجت ألسنتهم بالدّعاء القلبيّ المخلص نيابة عنكم. وطوال انعقاد هذا المؤتمر البهيج كان بيان مولانا المحبوب يتردّد عذبًا في الآذان "لقد اجتمعنا في محفل الأنس والتقينا في محضر القدس، وسكنّا في الفردوس، ليتكم معنا، ليتكم معنا!" أو "إنّنا في محفل الأنس وفي محضر القدس مجتمعون وفي الفردوس ساكنون، ليتكم معنا حاضرون، ليتكم معنا حاضرون!"
هذا وقد صادف انعقاد مؤتمر الوكلاء العالميّ هذا مع اقتراب الذّكرى السّنويّة الخامسة من سجن أعضاء هيئة الياران السّابقة الّتي كانت مشغولة بخدمة الأحبّاء في إيران بتسيير شؤون الجامعة البهائيّة. كما صادف أيضًا السّنة الثّانية من إلقاء القبض على أولئك الأحبّاء الأعزّاء الّذين اشتغلوا بتدريس العلوم والفنون المفيدة للشّباب البهائيّ الّذين حُرموا من الدّراسات العُليا بناء على أوامر حكومة وطنهم بسبب عقائدهم. إنّ هذين الحدثين المؤسفين ليسا إلّا شاهدين على الظُّلم والجور الّذي أحاق بالجامعة البهائيّة في إيران بأسرها واشتدّ خلال الإثني عشر شهرًا الماضية بدون أيّ مبررٍ ليطال الجميع، من الأطفال الصّغار حتّى المسنّين الضّعاف. وهذا الجور والعدوان المتولّد من التّعصّب والجهل قد أحاط بالعديد من المواطنين الغيّورين في ذلك القُطر وتسبّب في إلقاء عدد من أبناء ذلك الوطن البارزين وذوي القدرة والكفاءة في غياهب السّجون بذرائع واهيّة. ويبدو أنّ مقترفي هذه المظالم لا يلقون بالًا لرضى الله وراحة الخَلق فحسب بل حتّى لا يهتمون بأضرار التّبعات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والنّفسيّة والرّوحيّة لأفعالهم على وطنهم إيران وأهله الشّرفاء.
إنّ البغض والتّعصّب يعميان البصيرة ويسلبان الإنسان صواب الحُكم ويقودان بالطّبع إلى سوء التّدبير. إنّ هدف المسؤولين العقيم من تكثيف الاضطهاد هو إضعاف معنويات البهائيّين وإطفاء النّار الموقدة الإلهيّة. ولكنّهم غافلون عن أنّ طوفان العناد مهما اشتدّ وعلا إلّا أنّه عاجز عن إخماد السّراج الّذي أضاءته يد القدرة الإلهيّة. بل أنّ شدّة العناد تؤدّي إلى اشتعال نار محبّة الله في القلوب المستعدّة. عندما لا يحقّق هؤلاء الظّالمين الغافلين النّتيجة المرجوّة من تعدّياتهم واسعة النّطاق، فإنّهم يلجئون إلى وسائل أُخرى لممارسة الضّغط والقمع. ويتعاونون مع أعداء أمر الله التّقليديّين وقد صوّرت لهم خيالاتهم الباطلة أنّهم عندما يزرعون زؤان الشّكّ والشّبهة في قلوب الأحبّاء فسيوقعون الاختلاف والشّقاق فيما بينهم. وعندما يرون أنّ حواراتكم حول بناء الجامعة تجذب أصدقاءكم ومعارفكم وجيرانكم وتؤثّر في نفوسهم، فإنّهم يسعون سعيًا محمومًا إلى تحريف الحقائق والوقائع ونشر الشّائعات الكاذبة والمواضيع السّفسطائيّة آملين، عن طريق إثارة مواضيع مذهبيّة عقيمة، أن يستبدلوا المناقشات المفيدة البنّاءة بمجادلات مثيرة للنّزاع والخلاف.
ولكن ما يسلّم به الجميع، حتّى المعاندون المتعصّبون، إنّه رغم شدّة المصائب وكثرة الموانع فإنّكم أيّها الأعزاء ثابتون صامدون في وجه النّوائب والمحن كالجبال الرّاسيات، لأنّكم تعتبرون تحمّل المصائب والمشقّات في سبيل المحبوب الفريد موهبةً كبرى، ومطّلعون على ما تفضّل به مركز الميثاق "لم تعبأ النّفوس الطّيّبة يومًا براحتها ورخائها بل تخلّت عن عذب الرّحيق وقبلت بسُمّ النّقيع لتنوير العموم"، ومستمرّون في طريقكم بكلّ صبر وسكون، وقد وضعتم نصب أعينكم بيانات مولانا الحنون حيث يتفضّل: "إنّ السجن لعبد البهاء هو الحريّة والحبس هو القصر الرّوحانيّ، والتّقييد بالسّلاسل والأغلال أشبه بنزهة بين الأزهار في الحديقة النّورانيّة، فالحصير الحقير بالنّسبة له عرش رفيع والبئر الظّلماء قمر السّماء". كما أنّكم تعلمون جيّدًا بأنّ استقرار الملكوت الإلهيّ في هذا العالم المضطرب ليس بالمهمّة السّهلة بل يتطلّب إيمانًا راسخًا، وتوكّلًا كاملًا، وهمّةً عاليةً وعزمًا لا يلين، وجهدًا مستمرًّا، وصبرًا وجلدًا بالغًا. إنّكم عارفون بسنّة الله وطريقته وتعتبرون مساعيكم كالبذور الّتي يزرعها المزارع الإلهيّ في حقله. فالفِلاحة وجمع الغلال يستلزمان العمل الشّاق والوقت والصّبر والتّضحية، إلّا إنّه بنزول البركات الإلهيّة يكون الحصاد الوفير مضمونًا ومحتومًا. وأنتم مطمئنون إلى أنّه كما تصبح البذرة بفيض المطر وجهد البستانيّ ومرور الوقت شجرة باسقةً مثمرةً، كذلك تضحياتكم أيّها الأعزّاء ومساعي الأحبّاء الآخرين في العالم والّتي تبدو ظاهرة وجليّة في هذا المؤتمر العالميّ، سوف تؤتي أُكُلها في الميقات المعيّن ببركات الجمال الأبهى؛ فتنير القلوب وتحيل هذا العالم الظّلمانيّ إلى عالم نورانيّ وتتحقّق في النّهاية وحدة الجنس البشريّ.
الحمد لله أنّكم يا فرسان مضمار العبوديّة البواسل قد فزتم بقصب السّبق في ميدان الإيمان والخدمة، ونلتم ثناء وتمجيد الحبيب والغريب. نرفع أكفّ الدعاء في العتبات المقدّسة العليا ملتمسين لكم فردًا فردًا المزيد من التّأييد والتّوفيق يا خدّام حضرة الكبرياء الأعزّاء الأوفياء
[التّوقيع: بيت العدل الأعظم]