[ترجمة]

 

11 أيّار/ مايو 2012

إلى أتباع حضرة بهاء الله في أرض إيران المقدّسة

إنّ اقتراب الذّكرى السّنوية لإلقاء القبض غير القانونيّ وسجن الأعضاء السّابقين لهيئة الـ "ياران" والعاملين في "المعهد البهائيّ للتّعليم العالي" إنّما يذكّرنا بالاضطهاد الّذي تحمّله أولئك الأحبّاء الأعزّاء وغيرهم من المؤمنين المضحّين في مهد أمر الله.  وها قد مضت أربع سنوات على سجن أعضاء هيئة الياران السّابقين، ولا تزال المعارضة الشّرسة أمام كفاح الشّباب البهائيّ السّلميّ من أجل الحصول على التّعليم العالي مستمرّة دون هوادة.  وما فتئ أولئك الّذين خدموا المعهد البهائيّ قابعين في السّجن بجرم المساعدة في نشر التّربية والتّعليم وترويج العلم والمعرفة.

ومع أنّ عِظَم هذه المظالم قد أثار تعاطف المراقبين المطّلعين في أرجاء العالم، إلّا أنّ ظلم واضطهاد أعضاء الجامعة البهائيّة ما زال مستمرًّا بشدّة، وامتدّ القمع المروّع وغير الإنسانيّ ليطال الأطفال والشّباب.  لقد شهد العالم مؤخّرًا، وهو في حالة من الصّدمة والفزع، كيف أودع طفل في الثّانية من عمره مع والدته في السّجن وتحمّل معها عدّة أيّام عناء الحجز.  كما أقدم معلّم في محيط المدرسة على ضرب وشتم طفل بريء دون رحمة ثم أحرق يده النّحيلة لأنّه لم يشارك في صلاة الجماعة.  واقتحم مأمورون في الحكومة أحد المنازل وكسروا الباب بكلّ عنف، وأمام عيون طفل في السّابعة من عمره وشقيقته الشّابة الصّغيرة المملوءة رعبًا وفزَعًا اعتقلوا والدتهما. 

ومع بقاء سياسة عدم توظيف البهائيّين في القطاع العام على أشدّها، فإنّ العديد من الّذين يعملون في القطاع الخاصّ يشاهدون محلّاتهم وهي تُهاجم وتُفتّش أو تُغلق بحجج وذرائع زائفة لا أساس لها من الصّحّة.  أمّا معلّمو المدارس وأساتذة الجامعات البهائيّون الّذين حُرموا من وظائفهم في القطاع العامّ قد مُنعوا أيضًا من التّدريس الخصوصيّ بحجّة أنّ ذلك يتيح لهم فُرَصًا لتبليغ الدّين البهائيّ.  وما يقدّمه البهائيّون من خدمات لمجتمعهم، وحتّى نشاطاتهم اليوميّة أصبحت موسومة بـِ "التآمر ضد أمن الدّولة".  إنّ هذه الكراهية المرعبة المنذرة بالسّوء وهذا العداء قد امتدّ واتّسع نطاقه ليطال حتّى الأموات.  فلم يقتصر الأمر على الهجمات المنظّمة المستمرّة على المقابر البهائيّة والعبث بالقبور فحسب، بل تعدّاه إلى سلب الأحبّاء في بعض المناطق أيضًا حقّهم في دفن موتاهم طبقًا لأحكام الشّريعة البهائيّة.  كما أنّ قطع الأشجار الّتي تمت زراعتها ورعايتها في هذه الأماكن بغاية المشقّة والعناء هو شاهد آخر على ما يمارسه المسؤولون من ضغوط نفسيّة على الأحبّاء، وإظهار عدم الاحترام لموتاهم.  حتّى إنّ البهائيّين ممنوعون من وضع الزّهور على قبور أعزّائهم لأنّ المسؤولين يعتبرون ذلك تبليغًا للدّين البهائيّ أيضًا.  والأعجب من ذلك أنّه حتّى الحيوان الّذي يربّيه البهائيّ في مزرعته، ولا يملك دفاعًا عن نفسه، لم يسلم من قسوة أولي البغضاء. 

إنّ العداء والقمع اللّذين تتعرّض لهما الجامعة البهائيّة قد نزلا أيضًا بأشكال مختلفة على طيف واسع من المواطنين الآخرين في إيران، مواطنين جريمتهم الوحيدة هي طلب الحرّيّة والتّوق لبناء مجتمع يقوم على العدل والإنصاف.

أمام هذه الانتهاكات السّافرة لحقوق الإنسان، تواصل الحكومات والأمم، صغيرها وكبيرها، دفاعها عن حقوق البهائيّين المظلومين في إيران وغيرهم من المواطنين المبتلين في تلك البلاد.  فالأمم المتّحدة، وكبريات المنظّمات الدّوليّة لحقوق الإنسان، والمؤسّسات الحكوميّة والمدنيّة، والبرلمانات، والجامعات، ومروّجو العدل، ومحامون، وقضاة، وأساتذة جامعات، وفلاسفة، ودبلوماسيّون، ورجالات دّولة، والسّلطات في العديد من البلدان، بالإضافة إلى شخصيّات بارزة ومن بينهم سياسيّون مسلمون، سواء من الشّرق أو الغرب، جميعهم شجبوا هذه الاضطهادات في قرارات وتقارير وبيانات رسميّة، ودعوا إلى وقفها.  كما أن الفعاليّات الأخيرة الّتي بادر إليها مواطنون من عامّة النّاس في أنحاء العالم هي جديرة بالملاحظة أيضًا.  نذكر منها على سبيل المثال الاجتماعات الّتي عُقدت في اثنتي عشرة مدينة من كبريات مدن العالم إحياءً لذكرى مرور عشرة آلاف يوم على سجن الأعضاء السّبعة السّابقين لـِ "الياران".  والمسيرة الّتي شارك فيها عشرات الآلاف من أهالي البرازيل دفاعًا عن حريّة الدّين في العالم واحتجاجًا على انتهاكات حقوق الإنسان، بما فيها حقوق البهائيّين في إيران. 

ومن بين النّاس الشّرفاء في إيران، انضمّ فنّانون أيضًا إلى صفوف سائر المنصفين غير المتحيّزين وذوي الفكر المستنير للدّفاع عن الحقوق المدنيّة للبهائيّين.  ومن الجدير بالذّكر انّ استمرار هذه المظالم الّتي دفعت بأولي العدل والإنصاف في وقت سابق إلى الخروج عن صمتهم بخصوص انتهاك الحقوق المدنيّة للبهائيّين وإعلان دعمهم ومساندتهم لهذه الحقوق، قد أثار الآن لديهم حسّ التّفحّص والبحث لمعرفة السّبب الّذي دعا إلى تكثيف شدّة هذا العداء للجامعة البهائيّة.  ومع ازدياد اطّلاع الإيرانيّين على الدّور البنّاء الّذي يقوم به البهائيّون في عمار وطنهم وازدهاره، فإنّ العقبات العديدة الّتي وُضعت في طريق مشاركتكم في بناء إيران الحضاريّة آخذة في الزّوال تدريجيًّا، كما أن فُرَصًا ثمينة تلوح في أفق مساركم هذا.

إنّ الهجمات المنصبّة على البهائيّين ومواطنين آخرين من أصحاب الفكر في إيران هي في واقع الأمر وليدة التّمسّك بالعقائد والأصول المنسوخة والعادات والتّقاليد العتيقة الّتي يمكن مشاهدة آثارها السّلبيّة المباشرة في جميع مناحي الحياة في ذلك الوطن.  فلقد فُرض جوّ من التّعصّب الجاهليّ والمعتقدات الخرافيّة على البلاد، وتعرّضت مصداقيّة الدّين والإيمان لضرر كبير، وتمّ تجاهل تطلّعات الشّباب وطموحاتهم، وتهميش الرّوحانيّات والقِيَم الأخلاقيّة في المجتمع رغم ما طبع عليه الإيرانيّون من نُبل وشرف، وتغلغل التّحلّل والفساد في العديد من جوانب حياة المجتمع، فأُقصيت فضيلتا الأمانة والصّدق في مجال إدارة شؤون الدّولة ليحلّ محلّهما الكذب والتّزوير، وبليت روابط التّضامن والثّقة الّتي هي من اللّوازم الحتميّة لبقاء وتقدّم مجتمع نابض بالحياة والقوّة والنّشاط، وتزلزلت أركان النّظام الاجتماعيّ، وغرق الجميع في دوّامة مرعبة من الاضطرابات والمشاكل.  إنّ هذا الوضع المؤسف يعيد إلى الذّاكرة بيان حضرة بهاء الله المهيمن حيث يتفضّل "...إنّ عللاً لا تُحصى قد أحاطت العالم وطرحته على فراش المرض والعياء.  فالنّاس الّذين أسكرهم خمر الغرور والخُيلاء قد أبعدوه عن الطّبيب الإلهيّ العليم، وبذلك أوقعوا أنفسهم وجميع الخَلق في شَرَك تدابيرهم.  فلا هم قادرون على كشف الدّاء ولا هم عارفون بالدّواء.  يرون المستقيم معوجًّا ويعتبرون الصّديق عدوًّا..."

رغم هذه الأوضاع الصّعبة للغاية، فأنتم يا من تنشدون الملكوت لم يصبكم القنوط من مصائب هذا العالم الشّديدة، وبقيتم ثابتين على العهد والميثاق الإلهيّ بمدد الاسم الأعظم، والتزمتم بمتابعة أهدافكم النّبيلة المحبّة للإنسانيّة جمعاء، مطمئنّين واثقين من تحقّقها في نهاية المطاف.  إنّكم تعلمون علم اليقين أنّ العصر الحاضر هو عصر تغيير عظيم وتحوّل جذريّ.  فأنظمة العالم البالية آخذة في الانحلال، وفي خضمّ الفوضى والتّشنّجات النّاجمة عن ذلك، أخذت خلايا جسم نظْم جديد بالتّكوّن في رحم العالم.  لا بدّ أنّكم اطّلعتم على رسالة الرّضوان لعام 2012، وازداد إدراككم للدّلائل الجديدة على نفوذ ورسوخ هذا الأمر الأعظم في نسيج المجتمع في أنحاء العالم.  لاحظوا بأيّ حماس شديد وإيمان عظيم يكدّ أتباع الجمال المبارك المخلصون، وخاصّة الشّباب الأعزّاء، في أقصى بقاع المعمورة، وبمساعدة أصدقائهم وزملائهم في العمل وجيرانهم وأقاربهم يعملون في المدن والقرى بهدف إيجاد محيط قُدّر أن تزدهر فيه مدنيّة عالميّة قائمة على أُسس روحانيّة.  وتأمّلوا كيف يقومون برعاية جامعات تبشّر بحياة جديدة وتبثّ الأمل في الدّنيا بأسرها.  تسلّحوا إذًا بإيمانكم الّذي لا يتزعزع وتوكّلكم على الألطاف اللّامتناهية لبارئكم، وثابروا في خدماتكم المخلصة، وتذكّروا دائمًا بيانات حضرة وليّ أمر الله المحبوب المواسية الّتي تؤكّد لخَدَمَة أمر جمال القِدَم المضحّين بأنّ هناك قوّة خفيّة مكنونة في هذا الأمر الأعظم تمكّنه من تجاوز كلّ امتحان وافتتان، واستمداد قوّة جديدة من المصائب والمشقّات، وكسب أنصار جدد وقدرة لا تُحدّ جرّاء الظّلم والاضطهاد.

ندعو نيابة عنكم أيّها الأعزّاء بكمال والمحبّة والاشتياق في المقامات المقدّسة العليا. 

[الّتوقيع:  بيت العدل الأعظم]