[ترجمة]
12 كانون الأوّل/ديسمبر 2011
إلى كافّة المحافل الرّوحانيّة المركزيّة
الأحبّاء الأعزّاء،
تنخرط الجامعات البهائيّة في مختلف أنحاء العالم بكلّ اهتمام في تنفيذ بنود خطّة السّنوات الخمس. الآن، وبعد انقضاء الشّهور الأولى من الخطّة، هناك مؤشّرات قويّة تدلّ على أنّ دراسة الهداية الأخيرة والمداولات الجارية حول طبيعة ومدى القدرة الّتي تمّ تطويرها حتّى الآن أخذت تؤتي ثمارها بعملٍ مركّزٍ وموحّدٍ للغاية في مستوى القاعدة. ومن خلال جهود المهاجرين الدّاخليّين على وجه الخصوص، يمكن بالفعل أن نلمس البوادر الأولى لبرنامج توسّعٍ واستحكامٍ مستدامين في عدّة مئات من المجموعات الجغرافيّة الّتي فُتحت حديثًا، بينما يجري ترسيخ نمطٍ من النّشاط في غاية الدّقّة في عدّة مئاتٍ أخرى من المجموعات الأكثر تقدّمًا في سلسلة النّموّ المتّصلة. وفي الوقت نفسه، يصبح الأحبّاء في المجموعات الجغرافيّة الّتي تقع في طليعة عمليّة التّعلّم أكثر ضلوعًا بالدّيناميكيّات الّتي تسِمُ الجامعات سريعة التّوسّع والكبيرة نسبيًّا.
في هذا الصّدد، يُسعدنا على وجه الخصوص ملاحظة مستوى الجهد المبذول في كلّ قطرٍ لإضفاء مقدارٍ إضافيّ من الحيويّة على عمليّة المعهد، وهو أمرٌ في غاية الأهمّيّة إذا ما أُريد لأعداد متزايدة أن تشارك بفاعليّة في العمل اللّازم لجعل النّظام العالميّ الجديد واقعًا ملموسًا. إنّ عمل هيئة المعهد، وعمل المنسّقين في مختلف المستويات، وقابليّات الأحبّاء الّذين يخدمون مرشدين للحلقات الدّراسيّة ومحرّكين لمجموعات الشّباب النّاشئ ومعلمين لصفوف الأطفال، وتعزيز بيئة تفضي إلى المشاركة العموميّة وإلى الدّعم والمساعدة المتبادلة في آنٍ معًا لم تغِبْ محوريّتها في تحقيق المهمّة الإلهيّة للجامعة عن بال الأحبّاء أبدًا. وممّا يُثلج الصّدر بشكلٍ خاصّ في هذا الصّدد مشاهدة حشد الموارد المكرَّسة لبرنامج التّمكين الرّوحانيّ للشّباب النّاشئ على نطاقٍ واسعٍ. ومن المشجّع أيضًا رؤية حماس المعاهد في استقبالها للتّحدّي المتمثّل في إعداد المعلّمين لصفوف الأطفال البهائيّة المُتعاقبة بعد توفّر مواد إضافيّة لهذا الغرض. لذا، يبدو أنّ الوقت قد حان لتقديم مزيد من الهداية للمحافل الرّوحانيّة المركزيّة ومعاهدها التّدريبيّة حول تطبيق سلسلة الدّورات الرّئيسيّة وتلك المتفرّعة عنها.
طريـقُ الخدمـة
لمساعدة المؤمنين على التّفكير في عمليّة النّموّ في مستوى المجموعة الجغرافيّة، قدّمنا قبل عدّة سنوات مفهوم حركتين متكاملتين، تتمثّل إحداهما في تقدّم سيلٍ مستمرّ دائم التّوسّع من الأفراد عبر دورات المعهد. وهذه الحركة ليست مسؤولة عن إعطاء دفعة للحركة الأخرى فحسب، تطوّر المجموعة الجغرافيّة والّذي يُمكن مشاهدته في القدرة الجماعيّة على إظهار نمطٍ من الحياة يتّفق وتعاليم أمر الله، ولكنّها تعتمد عليها أيضًا من أجل إدامتها. وفي ضوء الأدلّة المتزايدة لآثار منهاج معهد روحي الدّراسيّ المترتّبة على هاتين الحركتين المتعاضدتين، أوصينا منذ ستّ سنوات باعتماده في جميع أنحاء العالم. في ذلك الوقت، لم نعلّق بوجه الخصوص على المبادئ التّربويّة الّتي يقوم عليها المنهاج الدّراسيّ؛ ومع ذلك، ينبغي أن يكون واضحًا للأحبّاء أنّ المنهاج يمتلك خصائص مرغوبة، تمّ وصف بعضها بعباراتٍ عامّة في رسائلنا المتعلّقة بسلسلة الخطط العالميّة الحاليّة. ويحظى مبدؤه التّنظيميّ بأهمّيّة خاصّة: تنمية القدرة على خدمة أمر الله والبشريّة في عمليّة يمكن تشبيهها بالسّير على طريق الخدمة. إنّ هذا التّصوُّر يُعطي شكلًا لكلٍّ من محتوى المنهج وهيكله.
تمّ تنظيم السّلسلة الرّئيسيّة للدّورات بحيث تضع الفرد، سواء أكان بهائيًّا أم لم يكن، على طريقٍ تتّضح معالمه من خلال خبرة الجامعة المتراكمة في مساعيها الرّامية لتكشف للبشريّة رؤيا النّظم العالميّ لحضرة بهاء الله. إنّ مفهوم الطّريق، بحدَّ ذاته، يدلّ على طبيعة الدّورات والغرض منها، فالطّريق يدعو للمشاركة، ويُفضي إلى آفاق جديدة، ويتطلّب جهدًا وحركة، ويستوعب خطواتٍ وسرعاتٍ مختلفة، وهو منظّمٌ ومحدّد. يمكن للطّريق أن يكون مُجرَّبًا ومعروفًا، ليس من جانب شخصٍ أو اثنين فحسب بل من قبل العشرات تلو العشرات؛ إنّه مُلكُ المجتمع. والسّير على الطّريق هو مفهومٌ معبِّرٌ بالمِثل. فهو يتطلّب من الفرد الإرادة والاختيار؛ ويحتاج إلى مجموعةٍ من المهارات والقدرات لكنّه يُظهر للعيان صفاتٍ ومواقف معيّنة أيضًا؛ ويستلزم تدرُّجًا منطقيًّا ولكنّه يُجيز، إذا اقتضت الضّرورة، استكشاف خطوط عملٍ ذات صلة؛ وقد يبدو سهلًا في البداية لكنّه يصبح أكثر تحدّيًا كلّما مضينا قُدُمًا. ومن الأهمّيّة بمكان أنّ المرء يسير على الطّريق برفقة الآخرين.
تتألّف السّلسلة الرّئيسيّة حاليًّا من ثماني دورات، مع أنّه من المفهوم أنّ العدد قد يصل في نهاية المطاف إلى ثماني عشرة دورة تتناول أعمالَ خدمةٍ تلبّي الاحتياجات كالتّنسيق والإدارة، والعمل الاجتماعيّ والانخراط في حوارات المجتمع. هناك حاليًّا موقعان على طول السّلسلة يمكن للفرد عندهما أن يختار اتّباع طريق خدمةٍ متخصّص. يَظهر الأوّل في الكتاب الثّالث. ومن بين الأحبّاء الّذين ينهونه ويبدأون بعقد صفٍّ بسيطٍ نسبيًّا للأطفال في الصّفّ الأوّل من برنامجٍ يهدف إلى تعليمهم وتربيتهم روحانيًّا، هناك نسبة معيّنة سيرغبون بتكريس أنفسهم للخدمة في هذا المجال، فيتابعون بمرور الوقت دراسة سلسلة من دورات فرعيّة تصبح تدريجيًّا أكثر تعقيدًا لتدريس الصّفوف من الثّاني حتّى السّادس. وهذا لا يعني بأنّهم سيتخلّون عن دراسة السّلسلة الرّئيسيّة، بل في الحقيقة، تتوقّع الدّورات الّتي تشكّل طريق خدمةٍ متخصّص أن يواصل المشاركون التّقدّم، كلٌّ منهم بسرعةٍ تتناسب وظروفه، على طول الطّريق الّذي تتّبعه السّلسلة الرّئيسيّة. ويشكّل الكتاب الخامس، الّذي يهدف إلى إعداد محرّكي مجموعات الشّباب النّاشئ، الموقع الثّاني الّذي تتفرّع منه سلسلة من الدّورات.
لا شكّ أنّ مسار استكشافٍ إضافيّ سيظهر على درب السّلسلة الرّئيسيّة في الوقت المناسب. قد يلبّي بعضها اهتمام الجميع، كالمسارَيْن المذكورَيْن أعلاه، بينما قد يقتصر البعض الآخر على تلبية احتياجاتٍ محلّيّةٍ خاصّة. وكما هو الحال مع السّلسلة الرّئيسيّة نفسها، يجب أن يَبرز المحتوى والهيكل من الخبرة الجماعيّة المستمرّة في الميدان، خبرة ليست عشوائيّة ولا خاضعة لقوى تفضيلٍ شخصيّة بل توجّهها مؤسسات أمر الله. وسيتطلّب توليد مثل هذه الخبرة بثّ مزيد من الطّاقة من جانب جمعٍ غفيرٍ من السّكّان، وسيكون من السّابق لأوانه أن تولي المعاهد، في كلّ مكان باستثناء البعض، اهتمامًا لاستحداث وتطبيق دورات فرعيّة أخرى في هذه المرحلة من تكشّف سلسلة الخطط العالميّة الحاليّة.
التّنسيق
من الواضح أنّ مقاربة بناء القدرة الّتي وُصفت أعلاه تمثّل محاولةً للوصول إلى ديناميكيّة معيّنة داخل مجموعة من السّكّان تجمع ما بين الخدمة وتوليد المعرفة ونشرها، وهو موضوع بحثناه، ولو باختصار، في رسالتنا لرضوان 2010. سنتناول هنا بعضًا من الاعتبارات العمليّة الّتي جعلت ظهور دربَي الخدمة المتخصّصَيْن المذكورَيْن آنفًا أكثر أهمّيّةً.
من الممكن في أيّ لحظة من اللّحظات أن ننظر من خلال أحد منظورين إلى ما يجري في أيّ مجموعة جغرافيّة بينما نمط العمل الّذي تعزّزه خطّة السّنوات الخمس والّذي تجري من خلاله حياكة نسيج حياة جامعة مفعمة بالحيويّة يستجمع قوّةً. إنّ كلا المنظورين صحيحٌ بنفس القدر، وكلٌّ يقدّم طريقةً معيّنةً في التّفكير والتّحدّث عمّا يجري. من خلال أحدهما تتراءى لنا بكلّ وضوح عمليّة تعليميّة ذات ثلاث مراحل مميّزة: أولاها لأعضاء الجامعة الأصغر سنًّا، وثانيها لمن هم في السّنوات الانتقاليّة المفعمة بالتّحدّيات، وثالثها للشّباب والكبار. وفي هذا السّياق يُمكن للمرء أن يتحدّث عن ثلاث ضروراتٍ تعليميّة مُلحّة، تتميّز كلٌّ منها بأساليبها وموادّها الخاصّة، وتتطلّب كلٌّ منها حصّتها من الموارد، وتخدم كلٌّ منها آليّاتٍ لمنهجة الخبرة وتوليد المعرفة طبقًا للبصائر المكتسبة في الميدان. من الطّبيعيّ جدًّا إذًا أن تظهر ثلاثة نقاشات حول تطبيق برنامج التّربية الرّوحانيّة للأطفال، وبرنامج التّمكين الرّوحانيّ للشّباب النّاشئ، وسلسلة الدّورات الرّئيسيّة.
ومن منظور آخر، قد يفكّر المرء بدوراتٍ من النّشاط مدّة كلٍّ منها ثلاثة أشهر تنمو خلاها الجامعة الفَوْرة في التّوسّع النّاجمة عن عملٍ مكثّف؛ والمدّة اللّازمة للاستحكام الّتي يتمّ أثناءها تقوية صفوف المُقبلين، من خلال مشاركتهم في جلسات الدّعاء والضّيافات التّسع عشريّة وتلقّي زياراتٍ في منازلهم على سبيل المثال؛ والفرص المخصّصة للجميع للمراجعة والتّقييم والتّخطيط. وفي ضوء ذلك يتقدّم موضوع التّبليغ ضمن مجموعات السّكّان المستعدّين ليحتلّ مركز الصّدارة، ويصبح التّحدّي المُتمثّل في البحث عن النّفوس الرّاغبة في الدّخول في أحاديث تتعلّق بالعالم من حولهم والمشاركة في الجهود الجماعيّة لتحوُّله محطّ تركيز.
وممّا لا غنى عنه، لا سيّما على مستوى التّنسيق، أن نتوقّف قليلًا لنفكّر ومن خلال هذين المنظورين نرى ما هو في الحقيقة واقعٌ واحد. إنّ القيام بذلك يجعل من الممكن التّحليل بدقّة، والتّقييم بطريقة استراتيجيّة، وتخصيص الموارد بحكمة، وتجنّب التّجزئة. ففي هذا الوقت المبكّر من تنفيذ الخطّة إذن، يبدو أنّ تكريس الاهتمام بمسألة التّنسيق يجب أن يحظى بأهمّيّة أكثر من أيّ وقتٍ مضى. ومع أنّ العناصر الأساسيّة للمخطّط التّنظيميّ الفعّال أصبحت مفهومةً تمامًا، إلّا أنّ الشّكل الّذي ينبغي عليه اتّخاذه في ظلّ ظروف متنوّعة بحاجة لأن يتبلّور. لقد طلبنا من دار التّبليغ العالميّة متابعة الجهود المبذولة في هذا الاتّجاه من أجل تسريع منهجة الدّروس المستقاة، وعلى الأخص في عدّة مئات من المجموعات الجغرافيّة الأكثر تقدّمًا من مختلف أنحاء العالم.
في جميع المجموعات الجغرافيّة من هذا القبيل، حيث متطلبات النّموّ واسع النّطاق تفرض نفسها، لا بُدّ وأن تتلقّى كلّ مرحلةٍ من مراحل العمليّة التّعليميّة الّتي يعزّزها المعهد التّدريبيّ دعمًا إضافيًّا. فلا بُدّ من تعزيز عمل المنسّق بمساعدة عددٍ متنامٍ من الأفراد المتمرّسين، ولا بُدّ من أن تصبح اجتماعات تبادل المعلومات والبصائر منتظمةً وأكثر منهجيّةً في مقاربتها. وبالمثل أيضًا لا بُدّ من إيجاد مناسباتٍ دوريّة للمنسّقين الثّلاثة الّذين عيّنهم المعهد، أو، عند الاقتضاء، لفرق المنسّقين الّتي تُعنى بالحلقات الدّراسيّة، ومجموعات الشّباب النّاشئ، ودروس الأطفال على التّوالي، ليتفحّصوا معًا قوّة العمليّة التّعليميّة ككلّ. كما أنّ عليهم أن يجتمعوا بدورهم وبشكلٍ منتظم بلجنة تبليغ المنطقة. وعلاوةً على ذلك، إذا كان ينبغي وصول تدفّق كافٍ من المعلومات والهداية والمال الّذي تشتدّ الحاجة إليه إلى المجموعة الجغرافيّة، لا بُدّ لهيئة المعهد من اتّخاذ مجموعة من الخطوات الموازية لتعزيز عمل تلك الوكالة على الصّعيد الإقليميّ. وحيثما يتأسّس مثل هذا المخطّط النّاضج من التّنسيق، سيتمكّن أعضاء هيئة المعاونين ومساعدوهم من تقديم الدّعم في كافّة مجالات العمل بفعّاليّة أكبر.
نقطة أخيرة تستحقّ التّأمّل في هذا الصّدد. تقريبًا كلّ المجموعات الجغرافيّة قيد النّظر والبالغة عدّة مئات ترتبط مع موقعٍ أو أكثر من زُهاء أربعين موقعًا لنشر التّعلّم الّتي أسّسها مكتب التّنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة في المركز البهائيّ العالميّ استجابةً لما شوهد من طلبٍ كبيرٍ على برنامج الشّباب النّاشئ في جميع أنحاء العالم. إنّ المعاهد الّتي تعمل في هذه المجموعات الجغرافيّة قد استفادت فعلًا خلال العام الماضي من المعرفة المكتسبة من خلال المواقع، ولا سيّما فيما يتعلّق بتنسيق البرنامج. لا شكّ أنّ المقدرة على استدامة أعداد كبيرة من مجموعات الشّباب النّاشئ قد أعطت دفعةً قويّةً لتقدُّم جميع هذه المجموعات الجغرافيّة، وساهمت بشكلٍ حاسمٍ في تطوّر حلقاتٍ دراسيّة وصفوف أطفالٍ لاحقًا. سوف تستمرّ مواقع التّعلّم الّتي يدعمها مكتب التّنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة في مساعدة المعاهد التّدريبيّة في التّصدّي لمجموعةٍ معقدّةٍ من المسائل النّاجمة عن تنفيذ برنامجٍ لفئةٍ عمريّةٍ يجب أن تظلّ إمكاناتها الهائلة موضع استكشافٍ مستمرّ. مع ذلك، فإنّنا نتطلّع لأن تقوم المعاهد نفسها برعاية عمليّة التّعلّم اللّازمة لإدارة أعداد كبيرة من صفوف الأطفال والحلقات الدّراسيّة، ووضع مخطّط على مستوى المجموعة الجغرافيّة لتعزيز التّنسيق عبر المجالات الثّلاثة المحدّدة لعملها، وفتح تدفّق الموارد من المستوى الإقليميّ إلى القاعدة–وهذا لضمان التّقدّم السّلس لأعداد غفيرة من مرحلةٍ إلى مرحلةٍ تالية من العمليّة التّعليميّة، ولتسهيل التّكشّف المطّرد لدورات النّشاط الّتي تعدّ ضروريّة جدًّا للنّموّ المنهجيّ المنظّم.
صفوفُ الأطفال
من بين مجموعة الأسئلة الماثلة الآن أمام كلّ معهدٍ تدريبيّ يبرز أحدها مُلحًّا على وجه الخصوص: كيف يتمّ حشد أعداد كافية من معلّمي صفوف الأطفال للصّفوف المتعاقبة، وبالتّالي من المرشدين الّذين باستطاعتهم تشكيل مجموعات لدراسة الدّورات الأساسيّة. إنّ الوحدات الّتي تتكوّن منها الكتب الثّلاثة المتوفّرة حاليًّا تشتمل على المواد اللّازمة لدراستها من قِبَل المعلّمين بالإضافة إلى الدّروس الخاصّة بالأطفال، ممّا يُتيح للمعاهد أن تقوم دون تأخير بتأسيس الصّفوف الثّلاثة الأولى من برنامج مدّته ستّ سنوات. ولتهيئة السِّلك الأوّليّ من معلّمي هذه الصّفوف، قد تضطرّ لاتّخاذ تدابير مؤقّتة أيضًا. إنّ مخطّطًا جيّدًا للتّنسيق، يوضع تدريجيًّا ويتماشى مع الاحتياجات على أرض الواقع ينبغي أن يسمح بتلبية المتطلّبات بشيءٍ من المرونة مع الحفاظ على سلامة العمليّة التّعليميّة بأكملها على المدى الطّويل.
وإلى جانب التّدريب المنهجيّ لمعلّمي الصّفوف المتعاقبة، ستحتاج المعاهد لأن تتعلّم كيفيّة تشكيل صفوفٍ لفئات عمريّة مختلفة في القرى والأحياء، وتوفير معلّمين لمختلف الصّفوف، والاحتفاظ بالطّلّاب عامًا بعد عام وصفًّا بعد صفّ، والتّقدّم المستمرّ للأطفال من طيفٍ واسعٍ من الأُسر والخلفيّات–وباختصار، تأسيس نظام لتربية وتعليم الأطفال متوسّعٌ ومستدامٌ يواكبُ اهتمام الآباء والأمّهات المتزايد بأن يشكّل صغارهم بنيةً أخلاقيّة سليمة، كما يواكبُ ازدياد الموارد البشريّة في المجتمع على حدٍّ سواء. إنّ هذه المهمّة، رغم ضخامتها، هي مهمّة سهلة نسبيًّا، ونحثّ المعاهد في كلّ مكان على إيلائها الاهتمام الّذي تستحقّه بشدّة، والتّركيز بشكلٍ خاصّ على تطبيق الصّفوف الثّلاثة الأولى من البرنامج متذكّرةً أنّ نوعيّة تجربة التّعليم والتّعلّم تعتمد إلى حدٍّ كبيرٍ على قدرات المعلّم.
كلمةُ تحذيرٍ تستوقفنا هنا. من المؤكّد أنّه ليس من الخطأ التّحدّث عن "تدريب" معلّمي صفوف الأطفال أو، بنفس هذا السّياق، محرّكي مجموعات الشّباب النّاشئ. بيد أنّ على المعاهد أن تأخذ حذرها خشية الشّروع برؤية عملها على أنّه مجرّد تدريبٍ على تقنيّات، ويغيب عن بالها مفهوم بناء القدرة الواقع في صميم عمليّة المعهد والّذي يستلزم فهمًا عميقًا لظهور حضرة بهاء الله.
الموادّ التّعليميّة
في ضوء الفقرات السّابقة، يجب التّفكير في مسألة المواد التّعليميّة، وعلى وجه التّحديد ما يخصّ منها صفوف الأطفال ومجموعات الشّباب النّاشئ. ففيما يتعلّق بالأولى، أوضحنا في رسالتنا لرضوان 2010 بأنّ الدّروس الّتي أعدّها معهد روحي تشكّل نواة برنامج تربيةٍ روحانيّةٍ للأطفال يمكن أن تنظّم عناصر ثانويّة حوله. وبشكلٍ عام، فإنّ المعلّمين أنفسهم هم الّذين يحدّدون إن كانت هناك حاجة إلى أيّ عناصر إضافيّة لتعزيز العمليّة التّعليميّة لكلّ صفّ، طبقًا لظروف معيّنة، وبالتّشاور مرارًا مع منسّق المعهد على مستوى المجموعة الجغرافيّة. من المفترض أن يتمّ اختيار أيّ مواد إضافيّة، إذا تبيّن أنّها مناسبة، من مصادر متوفّرة بسهولة. ونادرًا ما سيكون هناك سببٌ لإضفاء طابعٍ رسميّ على استخدام هذه المواد، سواء بشكلٍ مباشرٍ عن طريق تبنّيها من قِبَل المعاهد التّدريبيّة أو بشكلٍ غير مباشرٍ من خلال ترويجها بشكلٍ منهجيٍّ واسع النّطاق.
في حالة مجموعات الشّباب النّاشئ، يُشجِّع مكتب التّنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة اتّباع مقاربةٍ مشابهة. تتألّف نواة هذا البرنامج من سلسلة من الكتب المقرّرة الّتي تدرسها المجموعة. نحن ندرك أنّ هناك حاليًّا سبعةً من أصل ثمانية عشر كتابًا تتّجه النّيّة لإصدارها، تستكشف طيفًا من المواضيع من منظور بهائيّ، ولو أنّها ليست بأسلوب تدريسٍ دينيّ. تشكّل هذه الكتب الجزء الأساسيّ لبرنامج مدّته ثلاث سنوات. كما ستوفِّر تسعةُ كتبٍ دراسيّة أخرى محتوى بهائيًّا بحتًا، واثنان منها هما قيد الاستخدام حاليًّا. ويُنصح المحرّكون بتعزيز الدّراسة بأنشطة فنيّة ومشاريع خدمة تكميليّة. وكما هو الحال مع معلّمي دروس الأطفال، يمكن لمنسّق المعهد على مستوى المجموعة الجغرافيّة تقديم المساعدة للمحرّكين في تحديد كيفيّة المضيّ قُدُمًا. إلّا أنّ اختيار مثل هذه المشاريع والأنشطة يتمّ غالبًا من قِبَل الشّباب النّاشئ أنفسهم، في ضوء ظروفهم وميولهم الخاصّة، وبالتّشاور مع محرّك المجموعة.
في جميع هذه المسائل، يُطلب من الّذين يخدمون معلّمين ومحرّكين أن يتحلّوا بالحصافة. فالتّعليم ميدانٌ فسيحٌ، ونظريات التّعليم وفيرة. ويتمتّع العديد منها حتمًا بميزات جديرة بالاعتبار، ولكن ينبغي أن نتذكّر بأن ليست هناك واحدة تخلو من الفرضيات حول طبيعة الإنسان والمجتمع. فعلى سبيل المثال، يجب على العمليّة التّعليميّة أن تخلق في الطّفل وعيًا بإمكانيّاته الكامنة، ولكنّ تمجيد الذّات يجب تجنّبه تمامًا، ففي كثير من الأحيان، تتعزّز الأنا بحجّة بناء الثّقة. وبالمثل، فإنّ للّعب مكانه في تعليم الصّغار. ومع ذلك، أثبت الأطفال والشّباب النّاشئ مرارًا وتكرارًا قدرتهم على الدّخول في مناقشات في مواضيع عويصة تجري في مستوى مناسب لسنّهم، ويستمدّون فرحًا كبيرًا من السّعي الجادّ للفهم. إنّ العمليّة التّعليميّة الّتي تُخفِّف المحتوى في بحر اللّهو والتّسلية السّاحر لا تخدم مصلحتهم. كلّنا ثقة بأنّ المعلّمين والمحرّكين، بدراستهم لدورات المعهد، سيجدون أنفسهم مهيّئين بشكلٍ متزايدٍ لاتّخاذ قرارات حكيمة لاختيار أيّ مواد أو أنشطة لازمة، سواء من المصادر التّعليميّة التّقليديّة أو من المواد الوفيرة، من قبيل الأغاني والقصص والألعاب، الّتي سيتمّ تطويرها حتمًا للصّغار في الجامعة البهائيّة في غضون السّنوات المُقبلة.
يمكن مشاهدة شعوب الأرض، مدفوعةً بالقوى المتولّدة داخل الجامعة البهائيّة وخارجها وكأنّها تتحرّك من اتّجاهات مختلفة، تدنو من بعضها البعض أكثر فأكثر، باتّجاه ما سيكون حضارةً عالميّة، عظيمةً في خصائصها بحيث نقف عاجزين حتّى عن محاولة تخيّلها اليوم. فعندما تتسارع حركة السّكّان المركزيّة الجابذة هذه في جميع أنحاء العالم، ستندثر تدريجيًّا بعض العناصر الّتي لا تتوافق مع تعاليم أمر الله في كلّ ثقافة، بينما تتعزّز أخرى. وعلى نفس المنوال، ستتطوّر عناصر جديدة للثّقافة بمرور الوقت عندما يُظهر النّاس القادمين من كلّ مجموعة بشريّة، مُلهَمين من ظهور حضرة بهاء الله، أنماطًا من الفكر والعمل نابعةً من تعاليمه، وإلى حدٍّ ما عن طريق الأعمال الفنّيّة والأدبيّة. آخذين هذه الاعتبارات في الحسبان فإنّنا نرحّب بقرار معهد روحي المتعلّق بصياغة مقرّراته التّعليميّة، بأن يترك للأحباء معالجة المواضيع المتعلّقة بالنّشاط الفنّيّ محلّيًّا. إذن ما نطلبه في هذه المرحلة الّتي ينبغي أن تُستثمر فيها الطّاقات في مجال توسيع نطاق صفوف الأطفال ومجموعات الشّباب النّاشئ، هو السّماح بأن تتكاثر المواد التّكميليّة لهذا الغرض بشكلٍ طبيعيّ، نتيجةً لاستجماع عمليّة بناء المجتمع زخمًا في القرى والأحياء. فعلى سبيل المثال، نتوق لرؤية ظهور أغانٍ جذّابة من جميع بقاع العالم، وبكلّ اللّغات، بحيث تطبع في أذهان الصّغار المفاهيم العميقة الّتي تزخر بها التّعاليم البهائيّة. إلّا أنّ بروز مثل هذه الأفكار الخلّاقة لن يتحقّق إذا وقع الأحبّاء، دون قصد، في الأنماط السّائدة في العالم الّتي تجيز لمن يتمتّعون بالموارد الماليّة فرض منظورهم الثّقافيّ على الآخرين، بإغراقهم بالمواد والمنتجات الّتي يُروَّج لها بشكلٍ جائرٍ. علاوةً على ذلك، ينبغي بذل كلّ جهدٍ ممكن لحماية التّربية الرّوحانيّة من مخاطر التّسويق التّجاريّ. إنّ معهد روحي قد ثبّط بشكلٍ صريحٍ انتشار منتجاتٍ وموادّ تعامل اسمه كعلامة تجاريّة يجري تسويقها. يحدونا الأمل أن يحترم الأحبّاء دأب معهد روحي في هذه المسألة.
وفي هذا الصّدد، فإنّه من دواعي سرورنا أن نعلمكم بأنّنا أسّسنا المجلس الاستشاريّ العالميّ لمساعدة معهد روحي في الإشراف على نظامه المتعلّق بإعداد وإنتاج وتوزيع المواد، والّتي يعتمد محتواها وهيكلها بشكلٍ كبيرٍ على الخبرة البهائيّة العالميّة في تطبيق تعاليم أمر الله ومبادئه في حياة البشريّة. وبينما يباشر المجلس عمله تدريجيًّا، فإنّه سيكون قادرًا على الاستجابة للمسائل ذات الصّلة، ومتابعة تطوّر المواد التّكميليّة الّتي تتماشى مع الاتّجاه الّذي حدّدته الخطط العالميّة.
*
وفي الختام، نشعر بأنّنا مضطّرون لتوجيه بضع كلماتٍ للمعاهد التّدريبيّة في جميع أنحاء العالم: ينبغي أن نتذكّر أنّ معلّم صفّ الأطفال البهائيّ ومحرّك مجموعة الشّباب النّاشئ، المناطة به مسؤوليّة عظيمة من أجل تقوية الأسُس الأخلاقيّة للمجتمع، سيكون في معظم الأماكن، شّابًّا أو شابّة في سنّ يافعة. ومن المتوقّع أن يَظهَر هؤلاء الشّباب بشكلٍ متزايدٍ، من برنامج التّمكين الرّوحانيّ للشّباب النّاشئ متشرّبين بهدفٍ مزدوجٍ قويّ، ألا وهو تطوير قدراتهم الكامنة والمساهمة في تحوّل المجتمع في آنٍ معًا. لكنّهم قد يأتون أيضًا من أيٍّ من الخلفيّات التّعليميّة المتعدّدة بقلوبٍ مُفعمةٍ بالأمل بأنّ العالم سوف يتغيّر من خلال بذل جهودٍ مُضنيةٍ حثيثةٍ. وبغضّ النّظر عن التّفاصيل، سيتشاركون جميعًا دون استثناء في رغبتهم بتكريس وقتهم وطاقتهم، ومواهبهم وقدراتهم لخدمة مجتمعاتهم. وعندما يُمنحون الفرصة، سيكرّس العديد منهم بكلّ سرور بضع سنواتٍ من حياتهم لتوفير التّربية الرّوحانيّة للأجيال الصّاعدة. في شباب العالم إذن، يكمن مستودعٌ من القدرة على تحوّل المجتمع ينتظر استغلاله. وعلى كلّ معهد أن يعتبر إطلاق هذه القدرة مسؤوليّةً مقدّسةً.
[التّوقيع: بيت العدل الأعظم]