[ترجمة]

14 أيّار/مايو 2011

إلى الأحبّاء الأوفياء للجمال الأقدس الأبهى في بلاد إيران المقدّسة

الأحبّاء الأعزّاء،

إنّ الذّكرى السّنويّة الثّالثة لحبس أعضاء هيئة "الياران" السّابقين تذكِرة بالظّروف الصّعبة الأليمة الّتي لا تزال تتعرّض لها الجامعة البهائيّة في إيران.   واستمرار هذا الوضع المؤسف، يوجب على الأبناء الصّادقين لهذه الأرض أن يتفكّروا مليًّا في العلل الّتي قام عليها هذا الظّلم وآثاره بعيدة المدى على مستقبل بلد كان فيما مضى رافعًا لواء حقوق الإنسان.

واليوم، فإنّ اعتبار الأعضاء السّبعة السّابقين لهيئة "الياران" هم في الحقيقة سجناء الضّمير والوجدان، في نظر أيّ طرف محايد، لهو أمر واضح لا يقبل الجدل.  إنّ الإشارة المتكرّرة إلى هؤلاء السّبعة في وسائل الإعلام العالميّة مظهر من مظاهر اعتراض واحتجاج العديد من شعوب العالم على الظّلم الّذي يتعرّض له البهائيّون في إيران، صغارًا وكبارًا، شيبًا وشبابًا، بسبب معتقداتهم الدّينيّة وما تُؤمن به ضمائرهم فقط:  فالأطفال يتعرّضون باستمرار للإهانة والتّحقير في الصّفّ، ولا خيار لهم سوى الدّفاع عن كرامتهم الإنسانيّة بنهاية المظلوميّة؛ والآباء والأمّهات مجبرون، وقد فطر الحزن قلوبهم، أن يشرحوا لأولادهم تلك المعاملة غير الإنسانيّة على نحو لا يزرعون في قلوبهم البريئة بذور النّقمة والكراهية؛ والشّباب الّذين حُرموا من التّعليم العالي ووالديْهم الّذين هم أنفسهم أيضًا ممنوعون من فرص التّوظيف والاشتغال بالأعمال والمهن، ويواجهون مشاكل اقتصاديّة صعبة للغايّة عليهم أن يتحمّلوا عبئًا ثقيلًا آخر يتمثّل في عدم قدرتهم المادّيّة على تلبية احتياجات أبنائهم الأعزّاء؛ وعشرات الأفراد الّذين لم يرتكبوا أدنى خطأ ومع ذلك، وخلافًا لجميع الأعراف القانونيّة، يتمّ القبض عليهم والتّحقيق معهم بقسوة واقتيادهم مكبّلين بالأغلال إلى أبشع السّجون وحرمانهم من الحقوق الأساسيّة الممنوحة لكلّ سجين؛ والعائلات الّتي يجب أن تحتاط في علاقاتها مع جيرانها وأصدقائها نظرًا للتّهديدات الشّديدة الّتي يوجّهها رجال الأمن لكلّ من يريد أن يُعاشر البهائيّين.   وجميع أفراد الجامعة البهائيّة الّذين عليهم أن يعيشوا حياة ملؤها القلق وعدم الشّعور بالأمان نظرًا لقيام المسؤولين بنشر الأكاذيب البغيضة عن دينهم وتحقير مقدّساتهم على نطاق واسع في وسائل الإعلام؛ والعديد من المؤمنين الّذين أُجبروا على أن يشهدوا حرق منازلهم ومزارعهم وأماكن عملهم، وحتّى هتك حرمة قبور أحبّائهم وتخريبها، في المدن والقرى في جميع أنحاء إيران، ولم تلق تظلّماتهم ودعاواهم لرفع الظّلم عنهم آذانًا صاغية حتّى الآن.   

والبهائيّون، طبعًا، ليسوا المواطنين الوحيدين الّذين حُرموا من حقوقهم الشّرعيّة بدون أيّ ذنب، وتعرّضوا لمختلف أنواع الظّلم والاعتساف.  فالعديد من رجال ونساء إيران الشّرفاء، قد تحمّلوا بالمثل مشقّات لا تُعدّ ولا تُحصى، وواجهوا بشجاعة تستحقّ الثّناء والإعجاب أشدّ المظالم وأقساها، رافضين الإذعان لمطالب التّعصّب الجاهليّ والخرافات الواهية وذلك من أجلّ الدّفاع عن الحريّة وحقوق الإنسان، وفي نهاية المطاف، من أجلّ تقدّم بلادهم وازدهارها.   

إنّ استقامتكم البنّاءة وما خلّفته من آثار قويّة ليست بخافية عن أنظار المراقب اليقظ.  لاحظوا وتفكّروا كيف استمرّت الجامعة البهائيّة بتدبير شؤونها خلال السّنوات الثّلاث الماضيّة، بالرّغم من حرمانها من هداية "الياران" و"الخادمين"، وذلك نتيجة للجهود الّتي بذلها كلّ واحد منكم أيّها الأعزّاء وبمدد من التّأييدات الإلهيّة؛ وكيف اتّسع نطاق المبادرات الفرديّة، وحملت المشورة بين المجموعات مثل هذه الثّمار الوفيرة؛ وكيف أضاء كلّ واحد منكم، في أيّ فضاء ومكان، سواء في فسحة الإيوان أو في ضيق وظُلمة زنزانة السّجن، كشمعة أشعلتها يد القدرة الإلهيّة، تشعّ بنور الأمل والعشق على كلّ من يكون بين ظهرانيكم؛ وكيف ازداد اتّحاد وتكافل أعضاء الجامعة البهائيّة وقدرتهم على تلبية احتياجات بعضهم البعض؛ وكيف ازدهرت علاقاتهم مع أصدقائهم وزملائهم في العمل؛ وكيف تسارعت وتيرة نشاطاتهم كجامعة في خدمة الآخرين؛ وكيف استمرّت أعداد المجموعات الّتي انجذبت إلى المحبوب بالتّنامي.  ليس لأنّ المشقّات العديدة الّتي تحمّلتموها كان لها عميق الأثر في إيقاظ ضمير النّاس الشّرفاء في إيران فحسب، بل لأنّ الجامعة البهائيّة في جميع أرجاء العالم، وقد عزّزتها الطّاقات الّتي انطلقت من خلال تضحياتكم، قد شهدت زيادة ملحوظة في قدراتها للمساهمة في تمكين النّاس روحانيًّا، وتهيئتهم للاضطلاع بمسؤوليّة تقدّمهم وتطوّرهم الرّوحانيّ والاجتماعيّ والمادّيّ.  وعلاوة على ذلك، فقد تحرّك عدد متنام، من الجيل الأصغر سنًّا على وجه الخصوص، لدراسة الحقائق الأساسيّة لأمر الله.  وبالتّالي، ازدادت رغبتهم بالمشاركة في المشروع العظيم الّذي يعكف العالم البهائيّ على العمل فيه.

من جهة أخرى، لقد ثبت زيف وبهتان الاتّهامات الّتي وجّهها المتعصّبون للبهائيّين أمام أنظار العموم في إيران وخارجها.  وذهبت آمال الأعداء القدماء لتقويض أُسس جامعة الاسم الأعظم في أرض مولده أدراج الرّياح.   وفقدت ادّعاءات المسؤولين الكاذبة اعتبارها لدى الخاصّ والعام.  وفي الوقت نفسه، امتدّ الاضطهاد ليطال عامّة النّاس؛ فقد تفشّت الوحشيّة والقمع المشؤومين على شأن لم يكن أحد من الإيرانيّين بمأمن من مخالبهما.  ويبدو أنّ المسؤولين الحكوميّين غافلون عن حقيقة أنّ الظّلم والطّغيان، كما يشهد التّاريخ، لا يضمنان بقاء أيّ نظام على الإطلاق.  لاحظوا كيف يتمّ تجاهل آراء الأفراد ورغباتهم وسحق حقوقهم الإنسانيّة تحت الأقدام على الدّوام، وكأنّ آخر ما توليه السّلطات عنايتها هو رفاه النّاس وترقّيهم وسعادتهم، إنّ النّتائج المؤلمة لهذه الفجائع واضحة للغاية.  يوصي حضرة بهاء الله، ابن إيران الجليل، حُكّام العالم في ألواحه المهيمنة بأن يكونوا مظاهر العدل والإنصاف ويحذرهم بأن لا يطمئنّوا إلى قدرتهم وعساكرهم وخزائنهم، ويُهيب بهم أن يكفّوا أيديهم عن الظّلم، ويذكّرهم بأنّ الكنز الحقيقيّ لأيّة دولة هو رعيّتها، وينهاهم عن أن يضعوا أماناتهم المقدّسة بأيدي السّارقين، ويطلب من أرباب السّلطة أن يختاروا لشعبهم ما يختارونه لأنفسهم، وأن يجتنبوا الغرور والاستكبار، ويمتنعوا عن صرف موارد الدّولة على منافعهم الشّخصيّة، ويتحاشوا تحميل الرّعيّة المصاعب والمشقّات، وأن يخشوا آهات المظلومين وأنينهم.   ويؤكّد حضرة بهاء الله بأنّهم لو فعلوا ذلك فلن يحتاجوا إلى إنفاق المبالغ الباهظة على تخزين الأسلحة؛ وسوف تستحكم أركان الحريّة والصّلح والسّلام وتزدهر البلاد ويرتاح العباد.

إنّ أمل أهل البهاء كما ذكر حضرة عبد البهاء هو أن "...تصبح إيران سبب الحياة الأبديّة للعالم وأن ترفع عَلَم الصّلح العموميّ والأمان والرّوحانيّة المحضة في قطب الإمكان...  ".  هذه الرّؤيا الرّوحانيّة هي الّتي تمنحكم القوّة كي تستمرّوا في خدمة هذه الأرض بكلّ توق واشتياق، رغم جميع المشقّات والبلايا الّتي تتوالى عليكم.  إذًا تطلّعوا إلى المستقبل باطمئنان تامّ واضعين نصب أعينكم، كما كنتم تفعلون، الحِكَم البالغة والوعود الحتميّة الإلهيّة، وكرّسوا حياتكم كما في السّابق لخدمة الإنسانيّة:  واصلوا أداء واجباتكم الرّوحانيّة الفرديّة، واستمرّوا في حواراتكم الهادفة في الفضاءات المفتوحة أمامكم بكلّ جدّيّة، وشاركوا في الأنشطة الاجتماعيّة والمساعي الّتي تهدف إلى تحقيق المنفعة العامّة قدر الإمكان، وتابعوا السّير في طريق الحياة الّذي اخترتموه بكلّ ثقّة وسرور.  وكونوا على ثقّة بأنّكم شركاء مولاكم القدير في تحمّل الشّدائد والبلايا. 

نرفع أكفّ الدّعاء في العتبات المقدّسة العُليا نيابة عن كلّ فرد منكم أيّها الأعزّاء، متذكّرين هذا البيان المبارك لحضرة عبد البهاء حيث يتفضّل قوله الأحلى: 

...إنّ أحبّاء إيران أعزّ من الحياة والرّوح لأنّهم تحمّلوا في سبيل الله الامتحانات الشّديدة والبلايا العظيمة، فقد نُهبت وسُلبت بيوتهم ومنازلهم، وأصبحوا هدفًا لسهام الملامة وحجارة الشّماتة، وفدوا حياتهم وأرواحهم، وخرجوا من بوتقة الافتتان والامتحان بوجه مشرق منير كالذّهب الخالص.  لهذا فهم لدى عبد البهاء أعزّ من الرّوح ولدى الملأ الأعلى موضع الإعزاز والاحترام.  لهذا إن التقيتَ بأحدهم احضن ذلك الرّوح الطّاهر وقبّله نيابة عنّي، إن فعلت ذلك سيكتسب مذاق هذا المشتاق حلاوة لا نهاية لها وتكون سببًا للسّرور الكلّيّ... 

[التّوقيع:  بيت العدل الأعظم]