[ترجمة]
17 حزيران/يونيو 2011
إلى الأحبّاء الأعزّاء في مهد أمر الله
أيّها الأحبّاء الأوفياء،
امتلأت قلوبنا حزنًا وأسى لدى سماعنا أنباء الغارة الّتي شنّتها عناصر من وزارة الاستخبارات على منازل بعض الأحبّاء العاملين في المعهد البهائيّ للتّعليم العالي. ومع ذلك، فالتّقارير الّتي تحكي عن عزمكم الرّاسخ للمضيّ قُدُمًا بمساعيكم في مواصلة تحصيل العلم والمعرفة كانت مبعث سرورنا وفخارنا.
لقد كان من تبعات ثورة عام 1979 إخراج أساتذة ومحاضرين بهائيّين من الجامعات وحرمان الشّباب البهائيّ من الالتحاق بمؤسّسات التّعليم العالي. وبالرّغم من أنّ القانون الأساسيّ لجمهوريّة إيران الإسلاميّة يدّعي تساوي الحقوق للجميع، وأنّ القانون المدنيّ يخلو تمامًا من أيّ أساس يجيز مثل هذا الحرمان، ومع أنّ الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان الّتي وقّعت عليها إيران تصرّح بكلّ وضوح أنّ الحصول على التّعليم العالي هو حقّ من حقوق الإنسان المسلَّم بها. إلاّ أنّ القابضين على زمام السّلطة، وتحت تأثير التّعصّب الدّينيّ الجاهليّ، وخلافًا للقوانين والمعايير الدّوليّة، قد أقرّوا هذا التّمييز كسياسة رسميّة للحكومة وقاموا بدعم هذا القرار بكلّ عزم وقوّة.
ونتيجة لوجود متطلّب يقتضي كتابة دين الفرد على نماذج امتحان القبول في الجامعات الحكوميّة، لم يتمكّن الشّباب البهائيّ من دخول الجامعات الإيرانيّة، لأنّ السّبيل الوحيد لذلك كان اللّجوء إلى الكذب وكتمان العقيدة. وعندما فشلت مساعي المحاضرين والطّلّاب البهائيّين، رتّبت الجامعة البهائيّة الأمور للمحاضرين الّذين صُرفوا من الخدمة ووفّرت لهم الإمكانات لتعليم الطّلّاب الّذين حُرموا من الالتحاق بالجامعات. وقام الكثيرون من أفراد الجامعة البهائيّة بتقديم المساعدة والدّعم لهذا المشروع بطرق متعدّدة. وهكذا بدأت هذه المبادرة التّعليميّة المبتكرة وهذا المشروع المنبثق من القاعدة من خلال الجهود الجهيدة المتّسمة بالتّضحية من قِبَل الأفراد الّذين سعوا لخدمة قضيّة تحصيل العلم والمعرفة بالرّغم من الظّروف الصّعبة ودون تحميل الدّولة أيّة أعباء أو مصاريف ماليّة. وتوسّعت هذه المؤسّسة تدريجيًّا، وفي مطلع عام 1990 دُعيت باسم المعهد البهائيّ للتّعليم العالي. ومع مرور الوقت، بدأ عدد من المحاضرين البارزين في إيران وخارجها، وبعضهم من غير البهائيّين، بالتّعاون مع هذه المؤسّسة.
واستمرّ منع الشّباب البهائيّ من الالتحاق بالجامعات حتّى عام 2006، وبعد احتجاجات شديدة متكرّرة واسعة النّطاق في أنحاء العالم، صرّح مندوب الحكومة الإيرانيّة تصريحًا زائفًا أمام المجتمع الدّولي بأنّ الاستعلام عن الدّين على نماذج امتحان قبول الجامعات لا يتعلّق بالمعتقدات الدّينيّة للطّلّاب، بل يهدف إلى توضيح اختيارهم للدّراسات الدّينيّة فقط. قَبِل الشّباب البهائيّ هذا التّوضيح بكثير من الشّكّ والتّردّد حول صدقه وصحّته، وذلك لإظهار حسن نيّتهم. وبالرّغم من وجود عقبات جديدة وُضعت في طريقهم نجح عدد منهم منذ عام 2006 في دخول الجامعات. إلاّ أنّه سرعان ما غدا واضحًا أنّ الادّعاء الّذي أدلى به مندوب الحكومة الإيرانيّة أمام المجتمع الدّولي كان كذبًا محضًا. وفي وقت لاحق من ذلك العام، أبلغ مدير مكتب الأمن المركزي لوزارة العلوم والبحوث والتّكنولوجيا، في رسالة سريّة خاصّة، مدراء 81 جامعة، فصل أيّ طالب بمجرّد معرفة أنّه بهائيّ.
إنّ التّخطيط للسّياسة الرّسميّة للحكومة الإيرانيّة لمحو الجامعة البهائيّة كوجود يتمتّع بالقدرة على الحياة والنّموّ، قد وُضع في وثيقة سريّة صدرت عام 1991 من قِبَل المجلس العالي للثّورة الثّقافيّة، تحمل توضيح سكرتيره في ذلك الوقت، حُجّة الإسلام سيّد محمّد رضا هاشمي كلبايكاني وبموافقة القائد الأعلى للجمهوريّة الإسلاميّة آية الله خامنئي. وفي هذه الوثيقة، طُلب من مؤسّسات الدّولة التّأكّد من سدّ "سبيل التّرقّي والتّوسّع" في وجه البهائيّين، وصدرت أوامر صريحة بأنّه "يجب إخراجهم من الجامعات، سواء عند عمليّة الدّخول أو خلال الدّراسة حالما يتبيّن أنّهم بهائيّون." وعليه، وعلى مدار الثّلاثين سنة الماضية، مُنع الشّباب البهائيّ من الالتحاق بالجامعات الإيرانيّة، وحُرموا من فرصة الحصول على المؤهّلات الأكاديميّة وذلك عن طريق وجود متطلّب ذكر الدّيانة على النّماذج، أو التّذرّع بحجّةٍ تقدّمها منظّمة المعايير والتّقييم التّربويّ بأنّ ملفّات امتحانات قبول الجامعة للطّلاب البهائيّين "غير مكتملة"، أو إخراج الطّلّاب من الجامعات بمجرّد معرفة أنّهم بهائيّون سواء حدث ذلك خلال عمليّة التّسجيل أو أثناء الدّراسة أو حتّى في الأسابيع الأخيرة قبل التّخرّج.
والغارة الّتي شُنّت مؤخّرًا على منازل العاملين مع المعهد البهائيّ للتّعليم العالي، هي الرّابعة من مثل هذه الهجمات الّتي تهدف إلى قمع هذا الجهد البنّاء والمكتفي ذاتيًّا للجامعة البهائيّة. وبينما تستخدم السّلطات بكلّ قوّة وشدّة كلّ الوسائل المتاحة لحرمان الشّباب البهائيّ من الالتحاق بالجامعات، فإنّ أربابها يلجؤون إلى كافّة أنواع الخداع الممكنة لحجب هذه السّياسة المخزية عن أنظار الشّعب الإيرانيّ والمجتمع الدّوليّ ومنظّمات حقوق الإنسان. فهم يُنكرون أفعالهم من خلال الكذب والرّياء، وفي أحيان أخرى يسعون لتبريرها من خلال توجيه تُهم بات النّاس يرفضونها منذ أمد طويل. والآن وفي محاولة يائسة للفوز بدعم ومؤازرة الشّعب الإيرانيّ والمجتمع الدّوليّ يسعون بكلّ صفاقة كيّ يصوّروا نفس نشاطات الجامعة البهائيّة، الّتي أُجبرت على القيام بها من أجل تعليم شبابها، على أنّها غير شرعيّة.
ومنذ الشّروع في هذه المبادرة التّعليميّة المبتكرة، كان من الواضح لدى الجميع أنّه ليس بمقدور المعهد البهائيّ للتّعليم العالي إصدار أيّ نوع من الشّهادات العلميّة الرّسميّة. وعلى الرّغم من ذلك، كانت المساقات المقدّمة على أعلى المستويات، وبُذلت كافّة المحاولات ليتمكّن الّذين تخرّجوا من هذا المعهد من الإيفاء بالشّروط اللّازمة لتكملة دراساتهم العليا وفق معايير جامعات العالم المُعتبرة. ونظرًا لاستعداد الطّلّاب وتوقهم لتحصيل العلم والمعرفة أصبح عدد من الجامعات الرّائدة في أوروبا وأستراليا وكندا والهند والولايات المتّحدة على عِلم بقدرات ومستوى الإنجازات الّتي حقّقها خرّيجو المعهد البهائيّ وألحقتهم بدون شهادة البكالوريوس ببرامج الماجستير والدّكتوراه لديها. وبعد حصولهم على الشّهادات العلميّة العالية تختار الغالبية العظمى من هؤلاء الطّلبة، وبكلّ تضحية وتفان، الرّجوع إلى إيران ليقوموا بدورهم بمهمّة التّعليم في المعهد البهائيّ. في مثل هذه الظّروف والأوضاع وبالأخذ بعين الاعتبار أنّ المعهد البهائيّ لا يُصدر شهادات رسميّة، فإنّ تصوير تلك المساعي الّتي تبذلها الجامعة البهائيّة لتعليم شبابها بأنّها غير شرعيّة، لا أساس له من الصّحّة وهو سخيف ومناف للعقل والمنطق. وهذا الادّعاء الباطل أشبه بحال مجموعة من المواطنين يحرمونهم من الاستفادة من الأرزاق المتوفّرة، وعندما يقومون بالزّراعة والفلاحة في فناء منازلهم ويتحمّلون مشقّات جمّة من أجل سدّ رمقهم، يعتبرون مساعيهم تلك غير شرعيّة ويقومون بإتلاف محاصيلهم. إنّ الاستمرار في القيام بهذه الأفعال اللّاإنسانيّة ليس إلاّ علامة على عزم المسؤولين غير المعقول لمنع التّقدّم الاجتماعيّ لبهائيّي إيران بسبب معتقداتهم الدّينيّة.
في أرض من تقاليدها رعاية تحصيل العلم والمعرفة، وغايتها "اطلب العلم من المهد إلى اللّحد"، وفي ظلّ نظام يدّعي أنّه المدافع والمحافظ على تعاليم نبيّ الإسلام (صلّى الله عليه وسلّم) الّذي تفضّل قوله الكريم "اطلبوا العلم ولو بالصّين"، فإنّ كلّ إيرانيّ أصيل شريف يتأسّف ويتألّم بقلب مُثقل بالأحزان لأنّ مجموعة، لم تتقيّد على الإطلاق بالتّاريخ الثّقافيّ المجيد لتلك الأرض، أباحت لنفسها، خلافًا لكافّة القيم الإنسانيّة ودون أدنى اعتبار لقوانين البلاد، أن تحرم جماعة من مواطني بلدها الشّباب من حريّة الحصول على التّعليم العالي. والآن وبعد مضيّ ثلاثين عامًا، فإنّ أبعاد هذا الانتهاك الفاضح لحقوق الإنسان في إيران قد امتدّت على شأن تخطّت البهائيّين لتشمل آلافًا من الطّلّاب الإيرانيّين الآخرين والأكاديميّين المتنوّرين الّذين حُرموا من حريّة التّعليم، ووصل الأمر إلى حدٍّ أنّ هناك حديثًا يدور حول تحديد التّعليم العالي بالنّسبة لنصف عدد سكّان إيران، أيّ النّساء في تلك الأرض.
إنّ قبول تعاليم حضرة بهاء الله يحمل معه التزامًا ببذل الجهد في سبيل النّضج الرّوحانيّ للفرد والمشاركة في المساعي الجماعيّة لبناء مجتمع مزدهر والمساهمة في خدمة الصّالح العام. والعلم والدّين هما نظامان مستقّلان للعلم والمعرفة إلاّ أنّهما متكاملان ويدفعان المدنيّة نحو التّقدّم. وبكلمات حضرة عبد البهاء "إنّ ترقّي عالم الإنسان يعتمد على المعرفة، وتدنّي العالم البشريّ يعود إلى الجهل. وعندما يُحرز الجنس البشريّ تقدّمًا في المعرفة فإنّه يُصبح رحمانيًّا، وعندما يحصل على العلم فإنّه يصير ربّانيًّا." والسّعي في سبيل كسب العلم والمعرفة وتحصيل العلوم والفنون المفيدة يُعتبران من عقائد أهل البهاء الأساسيّة. لذلك فإنّ الحلّ طويل الأمد الّذي اخترتموه كوسيلة لمجابهة الصّعوبات المفروضة عليكم في سبيل التّعليم العالي هو الانخراط في التّعاون البنّاء مع مؤيّدي الصّلح والسّلام، والاتّفاق على بناء مجتمع تقدّميّ يحترم القانون ويلتزم بترويج العلم والمعرفة والعدالة الاجتماعيّة. أنتم يا أهل الوفاء وعشّاق جمال الكبرياء من ثبتّم كالجبال الرّاسيات في وجه طوفان البلايا وعواصف الرّزايا، وبإيمانكم ببياناته المباركة تعتبرون كلّ نقمة نعمة وكلّ مُشكلة فرصة جديدة للخدمة. لذلك فمع الحركة والنّشاط والتّمسّك بحبل الصّبر والاصطبار قد عقدتم العزم على متابعة النّشاطات التّعليميّة لهذه المؤسّسة، وقبلتم واقع أنّ هذه الهجمات الّتي حدثت مؤخّرًا ستؤدّي بشكل طبيعيّ إلى صعوبات مؤقّتة قد تُحدث بعض الإعاقات وتستلزم بعض التّعديلات في الطّريقة الّتي تُدار بها شؤون المؤسّسة. وأنتم واعون تمامًا بأهميّة المحافظة على اتّحاد واتّفاق الجامعة الّذي يُشكّل درعًا يحميكم ويحفظكم وخصوصًا في هذه الأيّام المشحونة بالفتن والاضطراب. وفي جميع الأحيان أنتم آملون وراجون هطول التّأييدات الإلهيّة اللّاريبيّة.
إنّ شعب إيران المستنير وغيرهم ممّن يريدون لكم الخير في أنحاء العالم يقفون إلى جانبكم. ونحن أيضًا نتابع ونراقب الأوضاع عن كثب بانتباه تامّ. كونوا على ثقة بأنّ الخبرة القيّمة الّتي اكتسبتموها في توفير التّعليم العالي للطّلّاب الّذين حُرموا من ذلك ستكون مساهمة فعّالة في تقدّم وانتشار العلم والمعرفة بين شباب تلك الأمّة- الأمّة الّتي اشتُهرت برعاية وترويج العلم والمعرفة. ومن خلف هؤلاء، فإنّ أعدادًا لا تُحصى من المظلومين والمضطهدين في أرجاء العالم سيجدون في مقاربتكم البنّاءة والسّلميّة للتّصدّي للظلم والجور قدوة تُلهمهم.
نرفع أيادينا بالدّعاء في العتبات المقدّسة العليا في ذكركم أيّها الأعزّاء، وبكمال التّضرّع والابتهال نرجو في ساحة حضرة ذي الجلال أن تتفتّح أبواب الرّخاء على وجه أولئك السّالكين في طريق الوفاء.
[التّوقيع: بيت العدل الأعظم]