[ترجمة]

19 أيّار/مايو 2009

إلى الأحبّاء الأوفياء للجمال الأقدس الأبهى في بلاد إيران المقدّسة

الأحبّاء الأعزّاء،

من مؤتمرات الوكلاء المركزيّة الّتي انعقدت في الأقطار المختلفة خلال الأسابيع القليلة الماضية، تردّدت أصداء تعبيرات تنمّ عن أحاسيس رقيقة من المحبّة والتّعاطف الّتي يكنّها لكم البهائيّون في كلّ مكان والّذين يفتخرون بأنّهم يعتبرون أخواتكم وإخوانكم الرّوحانيّين.  ومدركين للقوى الرّوحانيّة المنطلقة من استقامتكم وتضحياتكم وبالتّالي مستمدّين منها القوّة، فهم مشغولون في الدّفاع عن حقوقكم، وترويج التّعاليم البهائيّة والمساهمة في خير ورفاه العالم الإنسانيّ.

من جملة الأخبار السّارة الّتي وردت في رسائلكم العديدة الّتي أشرنا إليها في رسالتنا المؤرّخة 14 أيّار/مايو 2009 ما شهدتموه من ازدياد غير مسبوق للفرص المتاحة لإزالة سوء فهم إخوانكم المواطنين بخصوص تاريخ أمر الله وتعاليمه.  إنّ نتائج وآثار استقامتكم البنّاءة في تمسّككم بمعتقداتكم وأداء واجباتكم الرّوحانيّة، بالرّغم من الاضطهادات الشّديدة، لهي متعدّدة الجوانب وعلى قدر كبير من العمق بحيث أنّ تجزئتها وتحليلها بشكل كامل غير متيسّر في الوقت الحاليّ.  فالزّمن وحده كفيل بكشف مغزى هذه الأحداث الجسام الّتي توالت عليكم في السّنوات الأخيرة وتأثيرها.  وأجدرها بالملاحظة في هذا الصّدد هو التّوق المتنامي للشّعب الإيرانيّ لإدراك الحقائق المتعلّقة لأمر الله، والوعي المتزايد بين جيل الشّباب بأنّ في هدْيِ تعاليم حضرة بهاء الله أملًا جديدًا لمستقبلهم.  لذا واصلوا بقلوب مطمئنّة وبحكمة وضمن إطار الهداية الّتي تضمّنتها المراسلات السّابقة، في الاضطلاع بمسؤولياتكم الرّوحانيّة .  الفرديّة.

لقد تضمّن العديد من رسائلكم أسئلة تدور حول تقوية الجامعة واستحكامها.  والواقع أنّ الاهتمام بمتطلّبات هذه المسألة الأساسيّة هي وظيفة كلّ مؤمن ثابت مستقيم.  إنّكم تلاحظون بالفعل ما للاضطلاع بالواجبات الرّوحانيّة من تأثير على وحدة الفكر والعمل وإيجاد الشّوق والألفة بين أعضاء الجامعة.  وبالمثل، فإنّ عوامل متعدّدة أخرى تعزّز حيويّة حياة الجامعة من قبيل تشكيل صفوف دروس الأخلاق، والسَّعي من أجل زيادة المعلومات الأمريّة، وعقد الضّيافات التّسع عشريّة وغيرها من الجلسات بانتظام، والمحافظة على الوحدة والاتّحاد والتّرويج لها في جميع الأحوال، ورعاية الشّباب والعائلات المحتاجة، والزّيارات المنزليّة من أجل التّحدّث في مواضيع هادفة وتقوية روابط المودّة والتّكافل.

وكلّما تجلّت مبادئ الأمر المبارك وروحه في مختلف شؤون الجامعة بوضوح أكبر، تزداد حيويّتها وفعّاليّة مبادراتها الفرديّة والجماعيّة أكثر.  إنّ الظّروف الحاليّة، الّتي تستلزم منكم المضيّ قدُمًا في غياب تشجيع ومساندة الياران والخادمين، تستوجب من كلّ واحد منكم إظهار قدر أكبر من الصّبر والتّحمّل والانضباط، والالتزام بتشجيع ودعم بعضكم البعض.  وفي نفس الوقت عليكم أن تدركوا أنّه كلّما كانت نشاطاتكم.  الفرديّة موجّهة إلى خارج الجامعة أكثر، غدا تدبيركم لشؤون الجامعة الدّاخليّة أسهل. 

إنّ أداء الواجبات الفرديّة والجماعيّة المذكورة هو جزء من الهويّة البهائيّة؛ وأحد التّعهّدات الّتي يلتزم بها كلّ مؤمن بهذا الأمر الأعظم.  والتّعبير عن العقيدة على هذا النّحو هو في حدود معايير الحقوق الفرديّة للإنسان المُعترف بها.  لذلك قوموا بأداء هذه الواجبات بكمال الجدّ والاجتهاد، واثقين مطمئنّي القلب مسترشدين بما تمليه عليكم الحكمة، مطيعين للقانون المدنيّ، ومراعين للظّروف الاجتماعيّة.

لقد أشرنا في رسالتنا المؤرخة 18 آذار/مارس 2009 إلى الدّور الّذي تلعبه المشورة في رفع مستوى نضوج الجامعة البهائيّة وتعزيز فعّاليتها.  وبهذا الخصوص فإنّ خبر ازدياد ممارستها كان سبب سرور هذا الجمع.  لقد أنزل حضرة بهاء الله حُكم المشورة واعتبره أحد المبادئ الأساسيّة لأمر الله، وأناط "نضوج موهبة الإدراك" بها.  وأكّد بأنّ التّمسك بالمشورة "كان ولم يزل سبب وعلّة المعرفة والفطنة ومصدر الخير والسّلامة" كما تفضّل بأنّ "المشورة تهب إدراكًا أعظم، وتحيل الظّن إلى يقين.  إنّها سراج نورانيّ في عالم ظلمانيّ، ترشد وتهدي السّبيل."  إنّ المشورة هي الهادي في الأمور الفرديّة والجماعيّة، وتضمن النّضج والتقدّم والاتّحاد الدّائم للجامعة، وهي ضروريّة لتنظيم شؤون البشر.  ويشير حضرة عبد البهاء إلى المشورة بأنّها "سبب النّصر الكلّيّ في الأمور" ويؤكّد لنا بأنّها "جاذبة لعون وعناية الحقّ."

وكما تعلمون، يجب إجراء المشورة البهائيّة بغاية المحبّة وخلوص النّيّة والاتّحاد.  وأولئك الّذين يمارسون المشورة عليهم التماس التّأييد من الأفق الأبهى بالتبتّل والابتهال والاشتياق.  وعليهم التّعبير عن وجهات نظرهم بغاية الحرّيّة وبدون أيّ ضغط على الآراء الشّخصيّة، مع مراعاة الأدب والاحترام الكاملين، وللوصول إلى وحدة الرّؤية عليهم الاستماع إلى وجهات نظر الآخرين بدقّة وتمعّن وإنصاف.  يوصينا حضرة عبد البهاء أنّه إذا أدّى السّعي لاتّخاذ قرار بخصوص موضوع ما إلى بحث مطوَّل أو لا سمح الله إلى بروز نزاع وخلاف، فيمكن تأجيل بحثه إلى وقت مناسب آخر.  كونوا مطمئنّين بأنّ جهودكم المخلصة في الالتزام بهذه المبادئ، وأنتم منهمكون في المشورة بين العائلات أو في مجموعات صغيرة، ومن خلال قوّة الميثاق وبمدد التّأييدات الإلهيّة، ستمكّنكم من حلّ الغالبيّة العظمى من المسائل الّتي تواجهكم.  وفي هذا المجال، يجب أن نتذكّر بأنّ الغاية من المشورة ليس بالضّرورة التّوصّل دائمًا إلى قرار نهائيّ محدّد، بل غالبًا ما يكون الهدف ببساطة تبادل الأفكار من أجل توضيح مسألة معيّنة والتّوصّل إلى وحدة في الرّؤية.  كذلك، لا شكّ أنّكم تدركون بأنّه في الظّروف الحاليّة، قد تكون هناك مسائل لا يمكن حلّها في الوقت الحاضر وينبغي النّظر فيها مستقبلًا، بكلّ صبر وتحمّل. 

طرح بعض الأحبّاء أسئلة عن الضّيافات التّسع عشريّة، إنّ الضّيافة منصوصة في الكتاب الأقدس المستطاب وهي منذ السّنوات الأولى لتاريخ الأمر المبارك أحد الأمور الخاصّة بالحياة الرّوحانيّة والاجتماعيّة لجامعة الاسم الأعظم، وعنصر أساسيّ لتقدّم الأفراد والجامعة.  وبالطّبع فإنّ عقدها بانتظام يجب أن يتم بمراعاة الحكمة وملاحظة الأوضاع والاحتياجات المحلّيّة.  وللأحبّاء حريّة التّصرّف في أسلوب عقد هذه الجلسات ضمن إطار التّوجيهات الصّريحة بخصوص ماهيّة الضّيافة وهدفها.

بقلبٍ مبتهج من ثباتكم واستقامتكم، نرفع دعاءنا في العتبات المقدّسة ونحمده تعالى على أنّكم مصداق هذا البيان المبارك الصّادر عن قلم حضرة مولى الورى:

أيّها الأحبّاء الرّوحانيّون والأصدقاء الرّحمانيّون، في كلّ عهد المؤمنون كثيرون والمُمتحَنون قليلون.  احمدوا الله أنّكم مؤمنون مُمتَحنون لأنّكم أسرى كلّ صنوف الآلام والمحن في سبيل الرّب المهيمن.  لقد احمرّت وجوهكم في نيران الامتحان كالذّهب الخالص.  وفي نائرة الظّلم وقسوة الظّالمين احترقتم وصبرتم، وعلّمتم كلّ مؤمن رسوم وآداب الثّبوت والاستقامة. 

[التّوقيع:  بيت العدل الأعظم]