[ترجمة]

21 شباط/فبراير 2016

[لأحد الأحبّاء]

الحبيب العزيز،

استلم بيت العدل الأعظم رسالتك الإلكترونيّة المؤرّخة 19 حزيران/يونيو 2015، الّتي تتضمّن أسئلة عميقة تدور في ذهنك حول فقرة تتعلّق بـ "النّشوء والارتقاء" في مقدّمة إصدار عام 2014 من كتاب "مفاوضات عبد البهاء"، وقد طلب منّا أن نبلغك بالرّدّ التّالي.  ونأسف على تأخّرنا في الإجابة نظرًا لضغط العمل في المركز البهائيّ العالميّ.

كما لاحظتَ، فإنّ الهدف من الفقرة موضوع السّؤال، والّتي وافق بيت العدل الأعظم على تضمينها في المقدّمة، لا يحدّ من الكيفيّة الّتي قد يختار بها البهائيّ، كفرد، تفسير الآثار الكتابيّة المقدّسة.  وعلاوةً على ذلك، فإنّ الفقرة لا تصرّ على أنّ العلم هو "حقيقة مُطلقة"، ولا تُحاول "الاعتذار" عن بيانات حضرة عبد البهاء، كما يبدو عليه استنتاجك.  بل إنّها، إذ تقرّ بأنّ حضرته لن يدلي ببيان يتعارض مع الواقع، تشجّع الأحبّاء على الاستعانة بجميع النّصوص ذات الصّلة بالموضوع، بالإضافة إلى الصّورة الأكثر دقّة ومصداقيّة للواقع الّتي يمكن أن يوفّرها العلم، لمحاولة فهم ما يريد حضرة عبد البهاء إيصاله بالفعل.

من الواضح أنّ هناك حالات على مرّ التّاريخ عندما كان العلم نفسه، وبعد قرون، يؤكّد صحّة بيانات مذكورة في الكتب المُقدّسة كانت تتعارض مع الآراء العلميّة لذلك الوقت.  كما قد تكون هناك أيضًا بيانات في الآثار الكتابيّة المُقدّسة حول العالم المادّيّ والّتي سيُثبت العلم صحّتها في المُستقبل.  إنّ مفهوم "حقيقة" علميّة لا يشمل كلّ ادّعاء أو نظريّة يتمّ تأكيدها باسم العلم.  ولكن، رغم أنّ قدرًا كبيرًا من الحوار العلميّ مبدئيّ وعُرضة للتّغيير، فإنّ بعض العبارات العلميّة تُعتبر دقيقة ووصفًا صادقًا للواقع، وما يتمّ التّوصُّل إليه لا يتعارض مع الدّين الحقيقيّ، أيّ مع الكلمة الإلهيّة وتبيينها المُعتَمَد.  ولهذا السبّب يؤكّد حضرة عبد البهاء على أنّ المُعتقدات الدّينيّة يجب أن توزن في ضوء العلم والعقل، حتّى لا تؤدّي التّفسيرات الشّخصيّة لمعنى الكلمة الإلهيّة، وهي تفسيراتٌ غير معصومة وعُرضة للتّغيير، إلى استنتاجات غير صحيحة.

إنّ بيانات حضرة المولى حول النّشوء والارتقاء دقيقة وعميقة، ويجب فهمها في سياق كامل التّعاليم البهائيّة، ذلك لأنّ بيانات حضرته مبنيّة على تلك التّعاليم ومتّسقة معها.  وفي الفقرات الواردة في كتاب "مفاوضات عبد البهاء"، وكذلك في العديد من الألواح والخُطَب الأخرى، يشرح حضرة عبد البهاء مبدأ اتّفاق العلم والدّين، ويُعلّق بأنّ البشر والحيوانات يشتركان في الطّبيعة المادّيّة نفسها، ويؤكّد أنّ العقل والرّوح هما ما يميّزان البشريّة، ويرفض فكرة أنّ البشر مُجرّد حيوانات، وحادث عرَضيّ، وأسرى الطّبيعة الواقعين في شرك الصّراع من أجل البقاء.  في ضوء كلّ هذه البيانات، يمكن للبهائيٍّ أن يستنتج أنّه يمكن للمرء أن يختلف مع التّفسير المادّيّ الفلسفيّ للاكتشافات العلميّة، ألا وهو أنّ الإنسان مجرّد حيوان وأنّه تعبير عرضيّ عن الطّبيعة، دون الطّعن في الاكتشافات العلميّة نفسها، مثل تلك الموجودة في علم الوراثة والّتي تغاير مفهوم النّشوء والارتقاء "الموازي".

بطبيعة الحال، قد يصل أفراد مختلفون، مستخدمين قواهم العقلانيّة للتّوصّل إلى تفسيرات شخصيّة لاكتشافات علميّة ومعاني نصوصٍ مُقدّسة، إلى استنتاجات مختلفة حول أسئلة مختلفة.  هذه هي النّتيجة الحتميّة للتّحرّي المُستقلّ عن الحقيقة.  في بعض المسائل، قد تكون هناك درجة من الغموض لبعض الوقت؛ وفي أخرى، قد تتّضح الحقيقة من خلال تبادل الآراء بروح المشورة.  ومع ذلك، وفي إطار جهودهم لاستكشاف ما في بحر كلمات حضرة بهاء الله، يأمل بيت العدل الأعظم أن يتوخّى الأحبّاء الحذر من تطرُّفيْن.  الأوّل هو ببساطة رفض الحقائق الكامنة في الكلمات الإلهيّة بسبب تمسُّك عقائديّ بتفسيرات مادّيّة لاكتشافات علميّة.  والثّاني هو افتراض أنّه في كلّ حالة يتعارض فيها فهم المرء الشّخصيّ للتّعاليم مع اكتشافات علميّة، فإنّ هذه الاكتشافات هي الّتي يجب أن تتغيّر في المستقبل، لأنّ مثل هذا الموقف من شأنه أن يضع البهائيّين في جدالٍ مستمرّ مع العلم.  فكلّ من هذين التّطرُّفيْن لا يتوافق مع المبدأ البهائيّ لاتّفاق العلم والدّين.

عندما تنظر في هذه المسألة، قد تجد مقالات أولئك المؤمنين الّذين حاولوا ربط بيانات حضرة عبد البهاء بالعلم المُعاصر مهمّة ومفيدة، مثل مقال "الدّين والنّشوء والارتقاء متوافقان:  تعليقات حضرة عبد البهاء عن النّشوء والارتقاء" لكوروش مهانيان وستيفن ر. فريبرغ، نُشر في مجلة "الدّراسات البهائيّة"، المجلد 13، العدد 1/4، الصّفحات 55-93، والّتي يمكن العثور عليها في bahai-studies.ca/past-issues.

مع التّحيّات الحبيّة البهائيّة،

دائرة السّكرتارية