[ترجمة]

22 كانون الثّاني/يناير 2010

السّيّد.......

الحبيب الرّوحانيّ العزيز،

استلم بيت العدل الأعظم رسالتك المؤرّخة 11 كانون الثّاني/يناير 2010، الّتي تستفسر فيها عن المبادئ الّتي ينبغي أن يهتدي بها الأحبّاء الأعزّاء في إيران، في الوضع الراهن، حيال مشاركتهم في حياة المجتمع.  وتقديرًا منه لاهتمامك بمصالح الأمر المبارك، ووضوح أسئلتك المطروحة وعمقها، قرّر أن نرسل لك الردّ التّالي نيابةً عنه. 

كما تعلم جيّدًا، أنّ إيران في الوقت الحاضر، قد تشابكت فيها المسائل الأساسيّة الخاصّة بالعدالة الاجتماعيّة والصّالح العام مع الشّؤون السّياسيّة الحزبيّة، ممّا صعّب الأمور على البهائيّين الّذين يعشقون بلدهم ويتوقون لتقدّمه في اختيار أفضل مسار للعمل ينبغي عليهم اتّخاذه.  من المؤمّل أنّ تكون الملاحظات التّالية عونًا للأحبّاء في تحديد هذا الخيار.

في جميع أنحاء العالم، ينأى البهائيّون بأنفسهم عن الاشتغال في السّياسة الحزبيّة، ويجتنبون التدخّل في العلاقات السّياسيّة بين الحكومات، ويمتنعون عن التّورّط في الصّراع من أجل السّلطة.  لقد اختار البهائيّون هذا السّبيل بناءً على تعاليم دينهم، لتحقيق هدفهم الأعظم المتمثّل في تأسيس مجتمع متّحد ودائم التّقدّم.  إنّ خيارهم هذا ليس انتقادًا لأحزاب سياسيّة معيّنة أو لنُهُج جماعات أخرى.  وغنيّ عن القول، إنّهم بسلوكهم هذا السّبيل يرفضون رفضًا قاطعًا أيّ شكل من أشكال الفتنة أو اللّجوء إلى العنف.

ومع أنّ البهائيّين يجتنبون النّشاطات السّياسيّة الحزبيّة، إلّا أنّ عليهم الانخراط بجدّ وفعّالية في الحوار البنّاء والمساعي الاجتماعيّة واسعة النّطاق بهدف إصلاح العالم وتقدّم ورخاء بلدانهم.  عليهم الاضطلاع بهذه النّشاطات بكلّ تواضع وحكمة واحترام للقوانين والأعراف الاجتماعيّة السّائدة، وبروح التّعلّم والتّعاون مع الجماعات والأفراد الّذين يماثلونهم في الفكر، لأنّهم يؤمنون إيمانًا تامًّا بالقوّة البنّاءة لمبدأ الوحدة في التّنوّع والتّعدد والنّتائج الباهرة للتّعاضد والتّعاون.

أمّا بخصوص المشاركة في التّظاهرات، فمن حيث المبدأ ومن النّاحية العامّة، لأفراد البهائيّين في كلّ قطر مطلق الحريّة للمشاركة في تلك النّشاطات كالمسيرات السّلميّة الّتي تنظَّم من أجل ترويج مبادئ بنّاءة من قبيل تقدّم المرأة، وتعزيز العدالة الاجتماعيّة، وحماية البيئة، والقضاء على جميع أشكال التّمييز، وحماية حقوق الإنسان.  ولكن عندما تنحرف هذه النّشاطات تدريجيًّا عن أهدافها الأصليّة وتتّخذ الطّابع الحزبيّ أو تتّجه إلى ممارسة العنف، في مثل هذه الحالات على الأحبّاء بالتّأكيد أن يتجنّبوا المشاركة فيها.

من الطّبيعيّ أن يتوق الشّباب البهائيّ في إيران للعمل جنبًا إلى جنب مع إخوانهم المواطنين من أجل ترويج العدل والرفاه العام.  إنّ المؤسّسات الإداريّة البهائيّة هي أدوات تهدف إلى توجيه طاقات المؤمنين وتنظيم الشّؤون الدينيّة والاجتماعيّة للجامعة البهائيّة.  لذلك، يقوم الأفراد عادةً بالتّشاور مع هذه المؤسّسات ليحدّدوا ماهيّة  الخدمات الّتي يمكن أن يقدّموها كأفراد على أفضل وجه.  ولكن الظّروف الحاليّة في إيران وضعت البهائيّين هناك في أوضاع استثنائيّة، فحتّى قبل عام واحد فقط، استفادت الجامعة البهائيّة من نصائح وخدمات مجموعات غير رسميّة كانت، وبعلم تامّ من الحكومة، تُعنى بشؤون الأحبّاء الرّوحانيّة والاجتماعيّة.  وفي أعقاب التّصريحات الّتي أدلى بها مدّعي عام البلاد في شباط/فبراير 2009، وما تبعها من إيقاف نشاطات هذه المجموعات، قام بيت العدل الأعظم بطمأنة الأحبّاء وأكّد لهم أنَّه باعتمادهم على قوّة الاتّحاد وحماية بعضهم بعضًا، وتوكّلهم على التّأييدات اللّاريبيّة الإلهيّة، سيتمكنون من إيجاد السُّبُل والتّدابير المناسبة لإدارة شؤونهم الرّوحانيّة والاجتماعيّة، وكذلك الاستمرار في خدمة وطنهم وإخوانهم المواطنين.  وشجّع بيت العدل الأعظم الأحبّاء أن يتشاوروا مع بعضهم البعض، وأن يطمئنّوا ويكونوا على ثقة بأنّه من خلال تمسّكهم بمبادئ المشورة البهائيّة، ستكون قراراتهم وأفعالهم مزيّنة بطراز المعرفة والحكمة.  وبالتّالي، يُحسن الشّباب البهائيّ صُنعًا بالتّشاور مع والديهم وأفراد عائلتهم وآخرين ممّن يثقون بحسن تقديرهم حول طبيعة مشاركتهم في العمل الاجتماعيّ. 

وفي مشاوراتهم بشأن أفضل السّبُل لخدمة المجتمع، سيُدرك الأحبّاء بلا شكّ بأنّ التّظاهرات لا تُشكّل بالنّسبة لهم الوسيلة الوحيدة، أو حتّى الأكثر فعاليّة، للمساهمة في تقدّم المجتمع.  بل، إنّ أداء الواجبات الرّوحانيّة الفرديّة، وترويج "الأعمال الطّيّبة الطّاهرة والأخلاق الرّاضية المرضيّة" بهدف إصلاح العالم، والمشاركة في الحوارات الهادفة والبنّاءة، بما في ذلك كتابة المقالات المناسبة كما اقترحتم، وكذلك المشاركة في نشاطات التّنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة، هي برمّتها من الفعاليّات الّتي يمكن للبهائيّين من خلالها أن يعملوا جنبًا إلى جنب مع إخوانهم المواطنين في تعزيز الصّالح العام لبلدهم. 

من المحتمل، بالطّبع، أن يخطئ البعض أثناء العمل على تحقيق هذا الهدف، لكن يجب على الأحبّاء ألّا ينتقدوا بعضهم البعض وألّا يسمحوا لاختلاف الآراء أو ما يبدو في الظّاهر تناقضًا في خطوط العمل المختلفة أن يضعف أواصر المحبّة والودّ بينهم.  بل، حريّ بهم أن يستمرّوا في مساعيهم ويتعلّموا من نتائجها.  كما ينبغي ألّا يغرب عن بال الأحبّاء أبدًا بأنَّ بعض المسؤولين يسعون للاستفادة من أيّة وسيلة ممكنة لتقويض وجود الجامعة البهائيّة بالذّات.  وباللّجوء إلى استخدام الأكاذيب والافتراءات، يصوّرون الجامعة البهائيّة بأنّها كيان سياسيّ أو عدوٌّ للإسلام، أو حتّى في بعض الأحيان، عميل لقوى أجنبيّة.  ويتمادون كثيرًا إلى حدّ أنّهم يَصِمون بعض الإيرانيّين الّذين يسعون لتحسين وضع إيران بـِ "بهائيّ"، آملين بهذه الوسيلة تشويه سمعتهم في أعين الجمهور.  وفي الآونة الأخيرة، انتهزوا فرصة إلقاء القبض على بعض الشّباب البهائيّ في أعقاب أحداث يوم عاشوراء لاتّهام البهائيّين زورًا وبهتانًا، خاصّة في وسائل الإعلام، بالمساعدة في تنظيم التّظاهرات، وحيازة الأسلحة، وتعريض مصالح البلاد للخطر، وأنّ القيام بمثل هذه الأعمال يتمّ بأمر من المؤسّسات البهائيّة.  والغاية الأساسيّة من وراء هذه الاتّهامات هي نشر التّعصب بين جمهور النّاس وتثبيط همّة البهائيّين عن أخذ دور فاعل في المجتمع.  وعلى أيّة حال، فحتّى أنبل مجهودات البهائيّين سيسعى المسؤولون بنواياهم المُغرضة الخبيثة لإظهارها بعكس ذلك في نظر العموم.  إنَّ إلقاء القبض على شباب شيراز الأعزَّاء وسجنهم في عام 2006 وهم يؤدّون خدمة مرغوبة وضروريّة لأطفال العائلات الأقلّ حظًّا، ليس إلّا أحد الشّواهد على ذلك.

على مدار العقود الثّلاثة الماضية، عانت الجامعة البهائيّة في مهد أمر الله معاناة أليمة.  وخلال الفترة نفسها، مرّ شعب إيران الشّريف، وقد اكتسب فهمًا أعمق للعديد من القضايا الاجتماعيّة، بتطوّرات فكريّة عميقة.  واليوم، لم يعد بمقدور الإيرانيّين المنصفين أن يستمرّوا في تجاهل سخف ووهن الاتّهامات الموجّهة ضد البهائيّين، الّذين يعتبرونهم مواطنين مخلصين يستحقّون التّمتّع بكافّة الحقوق الممنوحة لأيّ مواطن آخر.  في الواقع، عدّة قليلة، هذا إن وُجدت على الإطلاق، ترى بأنّ تسمية "بهائيّ"، الّتي غالبًا ما تطلق على من يحملون وجهات نظر تقدّميّة، هي وصمة عار.  إنّ أفعال الشّباب البهائيّ المفعمين بالحيويّة والحماس، والّذين يحرّكهم حب الوطن ومحبّة شعب تلك الأرض المقدّسة، قد ساهمت إلى حدّ كبير في إيجاد هذا التّغيير في موقفهم هذا.  إنّ بيت العدل الأعظم ينقل أسمى آيات الإعجاب والثّناء للشّباب البهائيّ الأعزّاء، وكذلك ثقته بأنّهم، من خلال الدّعاء والمناجاة، ودعم وتشجيع كبار السّنّ، سيتلقّون العون والمساعدة في اختيار أكثر الوسائل حكمة للإيفاء بالتزامهم في مجال التّنمية الاجتماعيّة وفي تمسكهم بأهداب الحكمة في جميع فعّاليّاتهم. 

كونوا مطمئنّين بأنَّ بيت العدل الأعظم سوف يتذكّركم أنتم وشباب تلك الأرض لدى دعائه في العتبات المقدَّسة العُليا، حتّى يشملكم المزيد من التّوفيق والتّأييد بما فيه رضاء الله، وسببًا لتقدّم التّرقيّ المادّيّ والرّوحانيّ للإيرانيّين. 

مع التّحيات الحبيّة البهائيّة،

دائرة السّكرتارية