[ترجمة]

24 تشرين الثّاني/نوفمبر 2009

إلى أتباع الاسم الأعظم في بلاد إيران المقدّسة

الأحبّاء الأعزّاء،

وردتنا معلومات تفيد باستلامكم مؤخّرًا التّرجمة الفارسيّة للمجموعة الجديدة من الآثار البهائيّة عن الحياة العائليّة، والّتي تمَّ نشرها باللّغة الإنجليزيّة في آذار/مارس 2008، وإنّكم أيّها الأعزّاء منهمكون بدراستها والمشورة في النصائح القيّمة الّتي تتضمّنها.  إنّ اهتمامكم بهذا الموضوع ذي الأهمّيّة الحيويّة قد بعث السّرور في قلوبنا، ودفعنا إلى مشاركتكم بالأفكار التّالية:

إنّ أتباع حضرة بهاء الله في جميع أنحاء العالم، رجالًا ونساءً، ومن شتّى القوميّات والأعراق يعملون جنبًا إلى جنب مع أصدقائهم وزملائهم في العمل، من أجل بناء مجتمع مستقرّ على أركان العدل وعالم قائم على أساس الوحدة والاتّحاد.  عالم يرى فيه أفراد البشر اختلافاتهم الظّاهريّة تجلٍّ لجمال وكمال حديقة العالم الإنسانيّ المتعدّدة الألوان، ويسعون بكلّ اتّحادٍ واطمئنانٍ وبموقفٍ من التّعلّم واستلهامٍ من التّعاليم الإلهيّة وبمدد من قدراتهم ومواهبهم الربّانيّة المتنوّعة، من أجل المضي قُدُمًا بحضارة دائمة التّقدّم.  والبهائيّون يعتبرون فرصة المشاركة في مثل هذا المشروع العظيم فضلًا إلهيًّا فريدًا، ويعتقدون بأنّ أحد الشّروط اللّازمة للنّجاح والتّوفيق في هذا الأمر العظيم هو اكتساب الفضائل الأخلاقيّة.  والعائلة باعتبارها اللّبنة الأولى في البناء الإنسانيّ، والنّواة الأساسيّة للمجتمع البشريّ، تشكّل فضاءً يجب أن تتشكّل فيه الفضائل الأخلاقيّة والقدرات البنّاءة اللّازمة، لأنّ العادات والسّلوكيّات الّتي تتأسّس في العائلة تنتقل من المنزل إلى محيط العمل ومن ثمّ إلى الحياة الاجتماعيّة والسّياسيّة لكلّ أمّة وأخيرًا إلى العلاقات الدّوليّة في نهاية المطاف.

من علامات الانحطاط الأخلاقيّ في النّظام الاجتماعيّ العالميّ الحاليّ، ضعف الرّوابط الرّوحانيّة في العلاقات الأسريّة.  فعدم الاعتراف الكامل بمبدأ مساواة الرّجل والمرأة، وعدم احترام حقوق الطّفل في العائلة، يؤدّيان إلى انتشار ثقافة من أهمّ معالمها البارزة التّقليل من شأن المرأة والأبناء، والتّغاضي عن فرض إرادة فرد واحد على الآخرين، وفي النّهاية ممارسة العدوانيّة والعنف بداية في العائلة ومن ثمّ في المدارس ومحيط العمل وفي النّهاية في الشوارع والأحياء والمجتمع ككل.  في مثل هذه الظروف، تتحوّل العائلة، الّتي تُعتبر البيئة الأمثل لتعلّم مبادئ المشورة واتّخاذ القرارات الجماعيّة، إلى عامل مساعد لتعزيز الظّلم والاستبداد في المجتمع واستدامته.

النّقطة الأساسيّة الّتي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في سياق استحكام العائلة هي أنّه على الرّغم من تأكيد الكثير من الثّقافات على أهميّة العائلة، ووجود العديد من الشّواهد الّتي تثبت الدّور الإيجابي الّذي تقوم به في تقدّم المجتمع، إلّا أنّ هناك حالات أيضًا أدّى فيها الإفراط في الاهتمام بمصالح العائلة، بقصد أو بدون قصد، إلى ظهور نوع من ضيق الأفق الاجتماعيّ وأدّى في النّهاية إلى الإضرار بمصالح المجتمع الأوسع.  كم من العائلات المستقرّة والمتّحدة غرست في نفوس أطفالها مفهوم "نحن وهم" جرّاء تعصّبها تجاه فئة من فئات المجتمع، غافلة عن أنّ تلقينهم مثل هذه الأفكار السّامة من شأنه أن يضعف في نفوس أبنائهم الإحساس بحبّ بني جنسهم والرّغبة في تحقيق العدل.  فليس من المستغرب، لأطفال يترعرعون في بيئة كهذه ويصلون إلى سنّ البلوغ، ألّا يبالوا بآلام النّاس وأوجاعهم، أو يعتبروا ظلم واضطهاد الآخرين أمرًا مشروعًا ومبرّرًا، بل وقد يقومون بأنفسهم بالمساهمة في ترويج هذا الظّلم والاستبداد.  علاوة على ذلك، ففي المجتمعات القمعيّة حيث يصعب الدّفاع عن حقوق الإنسان وحماية المظلومين والمضطهدين، يختار مثل هؤلاء الأفراد الطّريق الأسهل، أي السّكوت عن الظّلم ومسايرة المستبدّ الظّالم بدلًا من تأييد قضيّة العدل وحماية المظلومين، وبذلك يسدّون، لا شعوريًّا، الطّريق أمام تقدّمهم الرّوحانيّ ويعيقون ترقّي أمّتهم. 

إنّ تعليم العدل والإنصاف في العائلة يُعدّ أمرًا أساسيًّا من أجل علاج هذا الخلل والقصور في النّظام الاجتماعيّ.  فينبغي تربية الأبناء بحيث يعتبرون أيّ إنسان، بغضّ النّظر عن دينه أو قوميّته أو أيّ انتماء آخر، أخًا لهم في الإنسانيّة ويستحقّ منهم الاحترام، وأن يضعوا نصب أعينهم هذا البيان المبارك الّذي يعكس روح هذا العصر:  "قَدِ ارْتَفَعَتْ خَيْمَةُ الاتِّحَادِ لاَ يَنْظُرْ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ كَنَظْرَةِ غَرِيبٍ إِلَى غَرِيبٍ.  كُلُّكُمْ أَثْمَارُ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَوْرَاقُ غُصْنٍ وَاحِدٍ."  لاحظوا كيف أنّه بالتّربية يتعلّم الصّغار التّفكير في حقوق أفراد أسرتهم، وبالمزيد من التّربية يتعلَّمون أهمّيّة مراعاة جيرانهم ويعتبرون خدمتهم واجبة.  وعلى مستوى أعلى، يمكن للتّربية السّليمة أن تساعدهم في توسيع آفاقهم وتركيز أنظارهم على تقدّم وعزّة وطنهم وأمّتهم، وعندما يصل اتّساع أفق بصيرتهم إلى درجة الكمال، فإنّهم، بالطّبع، سيجعلون من تقدّم العالم الإنسانيّ وخير ورخاء جميع البشر أحد أهداف حياتهم الرّئيسة.  إنّ العائلة هي البيئة الّتي تتيح لمثل هذه الأفكار العالميّة السّامية أن تنشأ وتتطوّر فيها، وهي المَنْبِت الّذي يمكن أنْ تنمو وتتربّى فيه أجيال صالحة تؤمن بأنّ رقيّها وتقدّمها مرتبط ارتباطًا وثيقًا بسعادة وعزّة الآخرين.

أيّها الأحبّاء الأوفياء، في هذه الأيّام المشحونة بالآلام الّتي تواجهون فيها أنواعًا لا تحصى من الشّدائد والمشقّات نتيجة الظّلم وعدم الإنصاف، وفي الوقت الّذي يسعى فيه الشّعب الإيرانيّ النّبيل ويناضل من أجل إيجاد الحلول لمشاكله وقضاياه المعقّدة، نحثّكم على الاستمرار بدراسة معمّقة لموضوع الحياة العائليّة والتّعمّق بها، والتّأمُّل في التّقدّم الّذي حقّقته جامعة الاسم الأعظم بهذا الخصوص، ومشاركة حصيلة إدراككم لهذا الموضوع مع جيرانكم وأصدقائكم وزملائكم في العمل، حتّى تستفيدوا من تجارب وخبرات بعضكم البعض.  وأثناء مشاوراتكم معهم تفكّروا كيف يمكن لكلّ فرد من أفراد العائلة أن يكون له، من النّاحية العمليّة، دورًا فعّالًا وبنّاءً في إيجاد بيئة عائليّة مناسبة، وكيف يُمكن ضمان أنّ الجيل الجديد سيحرز تقدّمًا ملفتًا في هذا السّبيل أكثر ممّا أحرزته الأجيال الّتي سبقته.  وبهذه الطّريقة يكون النّجاح والتّوفيق حليفكم في تقديم خدمة جُلّى لوطنكم. 

أنتم دائمًا في خواطرنا ونحن نبتهل في العتبات المقدّسة العليا نيابة عنكم يا أصفياء الله ومختاريه.

[التّوقيع:  بيت العدل الأعظم]