[ترجمة]

30 كانون الأوّل/ديسمبر 2021

 

إلى مؤتمر هيئات المشاورين القارّيّة

الأحبّاء الأعزّاء،

في رسالة الرّضوان لهذا العام، وصفنا كيف مرّ العالم البهائيّ، على مدار ربع قرن، بعمليّة تحوّلٍ منحته قدرة لا مثيل لها على التّعلّم والنّموّ وخدمة البشر.  لكن مهما كانت إنجازات هذه الفترة باهرة، فينبغي أن يتفوّق عليها ما هو آتٍ.  وبحلول نهاية سلسلة الخطط الجديدة الّتي استُهلّت مؤخّرًا، يتعيّن على الجامعة البهائيّة أن تكون قد اكتسبت قدراتٍ يمكن بالكاد أن نلمحها في الوقت الرّاهن.  ففي مداولاتكم على مدى الأيّام القادمة، سوف تنهمكون في استكشاف ما هو المطلوب لإيجاد جامعة محصّنة كهذه. 

يتفضّل حضرة بهاء الله:  "لقد خُلق العباد من العدم من أجل إصلاح العالم والألفة والاتّحاد."  لقد أتى حضرته بتعاليم تجعل تحقيق هذا الأمر مُمكنًا.  فبناء مجتمعٍ يسعى بوعي إلى تحقيق هذا الهدف الجماعيّ هو عمل لا يخصّ هذا الجيل فحسب، بل أجيالًا عديدة قادمة، وأتباع حضرة بهاء الله يرحّبون بكلّ مَن يعمل معهم جنبًا إلى جنبٍ في هذه المهمّة.  وهذا يعني تعلّم كيفيّة تنشئة ورعاية جامعات منفتحة نحو المجتمع ونابضة بالحياة، ويعني أنّ تلك الجامعات تتعلّم كيفيّة تحقيق التّقدّم الرّوحانيّ والمادّيّ، ويعني تعلّم كيفيّة المساهمة في الحوارات الّتي تؤثّر في وُجهة ذاك التّقدّم.  إنّ هذه المجالات من المساعي مألوفةٌ بطبيعة الحال.  وعند النّظر إليها، نجدها متمايزة من جهة، ولكلٍّ خصائصه وضروراته.  ومن جهة أخرى، فهي جميعًا تُمثّل طرقًا لإيقاظ الطّاقات الكامنة في الرّوح الإنسانيّة وتوجيهها نحو إصلاح المجتمع.  وهي معًا وسيلة لإطلاق ما وصفه حضرة وليّ أمر الله "بـِقوّة بناء المجتمع" الكامنة في الأمر المبارك.  هذه القوّة المتأصّلة في أمر حضرة بهاء الله ظاهرةٌ للعيان حتّى في الجهود الوليدة لجامعة بهائيّة تتعلّم كيف تخدم الإنسانيّة وتنشر الكلمة الإلهيّة.  ورغم أنّ المجتمع العالميّ الّذي وُصف في آثار حضرة بهاء الله ما زال بالطّبع في الأفق البعيد، إلّا أنّ هناك جامعات عديدة تتعلّم بجِديّة تطبيق تعاليم حضرته على واقعها الاجتماعيّ.  طوبى وألف طوبى لتلكم الأنفس الواعية لعظمة هذا اليوم والمدركة لأهمّيّة أعمالها وهي تسعى جاهدةً من أجل ظهور مجتمع تشكّله التّعاليم الإلهيّة.

ستمتدّ سلسلة الخطط العالميّة الّتي بدأت في الرّضوان إلى خمسٍ وعشرين سنة.  وستحمل سفينة أمر الله إلى القرن الثّالث من العصر البهائيّ لتُختتم في رضوان عام 2046.  خلال هذه الفترة، سيكون تركيز العالم البهائيّ على هدفٍ واحد:  إطلاق قوّة بناء المجتمع الكامنة في الأمر المبارك بدرجاتٍ متعاظمة.  إنّ السّعي لتحقيق هذا الهدف العامّ سيتطلّب استنهاضًا إضافيًا لقدرة الفرد المؤمن، والجامعة المحلّيّة، والمؤسّسات البهائيّة.  فلكلٍّ من هؤلاء النّصراء الثّلاثة الدّائمين للخطّة دور يؤدّيه، ولكلٍّ قدراتُه وصفاتُه الّتي ينبغي تطويرها.  ولكن ليس بمقدور أيٍّ منهم إظهار كامل قدراته بمفرده.  إنّه، بتقوية علاقاتهم الحيويّة مع بعضهم البعض تتضافر قواهم وتتضاعف.  يوضّح لنا حضرة عبد البهاء أنّه كلّما تجلّت صفات التّعاون والتّعاضد المتبادل في شعب ما، "تقدّم المجتمع البشري أكثر في طريق التّرقّي والسّعادة"؛ وفي الأمر المبارك يميّز هذا المبدأ تفاعلات الأفراد والمؤسّسات والجامعات ويشكّلها، ويمنح هيكل أمر الله قوّة أخلاقيّة وصحّة روحانيّة. 

إنّ النّفوس المشتعلة الّتي ترعرعت في ظلّ عمليّات الخطّة إنّما تبتغي اكتساب فهم أعمق لتعاليم حضرة بهاء الله، "الدّرياق الأعظم لكلّ الأمراض"، وتطبيقها على احتياجات مجتمعهم.  إنّهم ملتزمون برخاء الجميع، ومدركون أنّ رفاه الأفراد يكمن في رفاه المجتمع بأسره.  إنّهم مواطنون مخلصون يمتنعون عن التّحزّب والمنافسة على السُّلطة.  وبدلًا من ذلك، فإنّهم يركّزون على تجاوز الاختلافات، والتّوفيق بين وجهات النّظر، وترويج استخدام المشورة لاتّخاذ القرارات.  إنّهم يؤكّدون على الصّفات والمواقف، من قبيل الأمانة والتّعاون والتّحلّي بالصّبر، الّتي تشكّل اللّبنات الأساسيّة لنظام اجتماعيّ ينعم بالاستقرار.  إنّهم يناصرون العقلانيّة والعِلم باعتبارهما ضروريّان لتقدّم الإنسانيّة.  إنّهم ينادون بالتّسامح والتّفاهم، ويعتبرون الوحدة المتأصّلة في الإنسانيّة على رأس أولويّاتهم، ويرَوْن كلَّ واحدٍ شريكًا محتملًا للتّعاون، ويسعَوْن جاهدين لتعزيز شعور الأُلفة حتّى بين المجموعات الّتي اعتادت على معاداة بعضها البعض.  إنّهم واعون بتأثير قوى المادّيّة من حولهم وأعينهم كاشفة للمظالم المستشرية في العالم، ولكن لديهم بالمِثْل رؤية واضحة للقوّة الخلّاقة للوحدة ولقدرة الإنسانيّة على الإيثار وحبّ الغير.  إنّهم يدركون ما للدّين الحقيقيّ من قوّة في تقليب القلوب والتّغلّب على الشّكّ والارتياب، لذا فإنّهم يعملون على تهيئة الظّروف المواتية لتحقيق التّقدّم تحدوهم الثّقة بما يحمله المستقبل.  إنّهم يشاركون معتقداتِهم بسخاءٍ مع الجميع، ويحترمون حرّيّة الضّمير لكلّ إنسان، ولا يفرضون معاييرهم الخاصّة أبدًا على أحد.  وبينما هم لا يتظاهرون بمعرفة جميع الإجابات، فإنّ لديهم رؤية واضحة بشأن ما تعلّموه وما يحتاجون إلى تعلّمه بعد.  تتقدّم جهودهم على إيقاعٍ يتناوب بين العمل والمراجعة والتّقييم؛ ولا تزعجهم العثرات.  وفي الأماكن الّتي تُقدِّم فيها أعدادٌ متنامية العون لبناء جامعات تتحلّى بهذه الخصائص، ستصبح قوّة أمر الله المحوّلة للحياة الاجتماعيّة للنّاس، فضلًا عن حياتهم الباطنة، ظاهرةً للعيان بشكلٍ متزايد.  إنّنا على يقين بأنّ السّعي الجادّ لتحقيق الهدف الرّئيس للخطّة سيؤدّي إلى بروز العديد والعديد من هذه الجامعات. 

حركة المجموعات الجغرافيّة

إنّ ظهورًا أعظم لقوّة بناء المجتمع الكامنة في الأمر المبارك يستلزم، أوّلًا وقبل كلّ شيء، حصول مزيدٍ من التّقدّم في عمليّة الدّخول في دين الله أفواجًا في شتّى بقاع العالم.  فالمهامّ الرّوحانيّة في جوهرها والمتمثّلة في نشر نور ظهور حضرة بهاء الله على نطاق أوسع، ومدّ جذور أمره المبارك وترسيخها بشكلٍ أعمق في تربة المجتمع، إنّما لها نتائج قابلة للقياس:  عدد المجموعات الجغرافيّة الّتي بدأ فيها برنامجٌ للنّموّ، ودرجة التّكثيف الّتي وصلته كلّ منها.  والوسائل الآن متوفّرة لتحقيق تقدّمٍ سريعٍ فيما يتعلّق بكلا المقياسيْن.  إنّ الهدف الّذي على جامعة الاسم الأعظم أن تصبو إلى تحقيقه خلال السّلسلة الحاليّة من الخطط العالمّية هو تأسيس برامج مكثّفة للنّموّ في جميع المجموعات الجغرافيّة في العالم.  وهذا الهدف الجبّار ينطوي على توسيع النّشاط وتكثيفه على نطاق لم يسبق له نظير.  لذا، يتحتّم إحراز تقدّم سريع نحو هذا الهدف في سياق خطّة السّنوات التّسع. 

وكخطوةٍ أوّليّة، نطلب منكم مساعدة المحافل الرّوحانيّة المركزيّة والمجالس البهائيّة الإقليميّة لتحديد ما إذا كانت مخطّطاتهم لتقسيم مناطقهم إلى مجموعات جغرافيّة تتطلّب أيّ تعديلات.  كما تعلمون، فإنّ المجموعة الجغرافيّة تحدّد منطقةً يمكن فيها تحفيز نشاطات الخطّة بطريقة مستدامة وتسهل إدارتها.  وعلى مدى السّنوات الإحدى والعشرين الماضية، تمّ تعلّم الكثير عن حجم المجموعة الجغرافيّة الّتي "تَسْهُلُ إدارتُها" في سياقات مختلفة وفي مناطق مختلفة من العالم؛ ففي بعض البلدان، بدأ النّظر بالفعل في إجراء تعديلات أوجبتها تأثيرات ناجمة عن النّموّ.  وفي كثير من الحالات لن تؤدّي إعادة التّقييم هذه إلى أيّ تغيير، ولكن في بعضها ستؤدّي إلى تقسيم مجموعة جغرافيّة أو تصغير حجمها، وفي أحيان أخرى قد يزداد حجم مجموعة جغرافيّة.  وقد يتمّ استثناء مناطق ذات كثافة سكّانيّة منخفضة من مخطط تقسيم المجموعات الجغرافيّة بسبب التّضاريس الطّبيعيّة.  وبطبيعة الحال، فإنّ المؤمنين القاطنين في مثل هذه المناطق سوف يتبنّون من عناصر إطار العمل كلّ ما يمكن تطبيقه وفق ظروفهم. 

ستظلّ حركة المجموعات الجغرافيّة على طول سلسلة التّطوّر هي النّموذج الأساس لتوسّع الجامعة واستحكامها.  إنّ خصائص المسار التّنمويّ الّذي يجب اتّباعه، ولا سيّما المَعْلَم الأوّل والثّاني والثّالث الّتي تسم التّقدّم على طول الطّريق، معروفة جيّدًا لدى الأحبّاء من خلال رسائلنا السّابقة وتجربتهم الشّخصيّة، ولا نشعر بالحاجة إلى تكرار ما سبق أن ذكرناه من قبل.  باختتام خطّة السّنة الواحدة، نتوقّع أن تكون هناك برامج نموّ في أكثر من 6.000 مجموعة جغرافيّة، وأنّ ما يقارب من 5.000 منها قد اجتازت المعلم الثّاني، وفي 1.300 منها سيتقدّم المؤمنون لأبعد من ذلك بكثير.  يجب أن ترتفع هذه الأرقام بشكلٍ ملحوظٍ خلال السّنوات التّسع القادمة.  وبمجرّد إجراء أيّ تعديلات على مخطّط المجموعات الجغرافيّة في كلّ بلد، نرجو منكم العمل مع المحافل الرّوحانيّة المركزيّة والمجالس الإقليميّة لتقدير عدد المجموعات الجغرافيّة الّتي يمكنها إحراز تقدّمٍ خلال الخطّة يتجاوز المَعْلَم الأوّل والثّاني والثّالث على التّوالي.  ويجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ هذه الأعداد هي مجرّد تقديرات مبنيّة على ما توفّر من معلومات؛ يمكن تعديلها لاحقًا عند الضّرورة، ولا يلزم العمل عليها مطوّلًا.  وعليه، نطلب إرسال نتائج هذه التّقديرات إلى المركز البهائيّ العالميّ بحلول النّيروز.  وفي الرّضوان سوف يتسنّى لنا عندئذٍ تحديد إجمالي التّطلّعات الجماعيّة للعالم البهائيّ لخطّة السّنوات التّسع. 

إنّنا نعي بأنّ هناك بعض الأقاليم والبلدان حيث الأمر المبارك ما زال في مرحلة مُبْكِرة من التّطوّر، وهناك حاجة ملحّة لضمان أنّ ما تعلّمه العالم البهائيّ حول تسريع عمليّة النّموّ سوف يعود بالفائدة على هذه الأماكن أيضًا.  أحد الدّروس الهامّة الّتي غدت واضحة هو المنفعة الكبيرة الّتي تعود على الإقليم بفضل وجود مجموعة جغرافيّة اجتازت المَعْلَم الثّالث فيه.  فبمجرّد أن يطوّر الأحبّاء في مجموعة جغرافيّة معيّنة مجموعة القدرات الّتي يقتضيها مثل هذا التّقدّم، وتصبح وسائل نشر البصائر وتبادل الخبرات حول مساعي بناء الجامعة مهيّأة، عندها يمكن تسريع عمل التّوسّع والاستحكام في المجموعات الجغرافيّة المحيطة بها بكلّ سهولة ويُسر.  مع أخذ ذلك بالاعتبار، من الضّروريّ أن تصل عمليّة النّموّ خلال خطّة السّنوات التّسع إلى هذا المستوى من التّكثيف في مجموعة جغرافيّة واحدة على الأقلّ في كلّ بلدٍ وفي كلّ إقليم.  وهذا يشكّل أحد الأهداف الرئيسة للخطّة وسيتطلّب جهدًا مركّزًا من قبل العديد من النّفوس المُتفانية.  إنّ دار التّبليغ العالميّة على أُهبَة الاستعداد للعمل معكم من أجل تطبيق استراتيجيّات متنوّعة لتحقيق هذا الهدف.  سيكون على رأسها نشر فرقٍ من المهاجرين داخل أوطانهم وخارجها ممّن هم على دراية بإطار العمل ومستعدّين لتكريس قدرٍ كبيرٍ من الوقت والطّاقة لخدمة أمر الله لسنوات عِدّة.  ينبغي عليكم أن تؤكّدوا على المحافل الرّوحانيّة المركزيّة والمجالس البهائيّة الإقليميّة ضرورة تشجيع المؤمنين الّذين بإمكانهم أن ينهضوا، اقتفاءً لخطى العديد من النّفوس الباسلة من الأسلاف، لضمان نشر نور الأمر المبارك حتى يسطع في كلّ بقعة من بقاع الأرض.  نحن نتطلّع بشكلٍ خاصٍّ إلى بلدانٍ وأقاليمَ ومجموعاتٍ جغرافيّةٍ تراكمت فيها القوى والخبرات من أجل إيجاد سيلٍ من المهاجرين إلى أماكن تحتاج إلى المساعدة، وتوفير الدّعم لها بوسائل أخرى أيضًا.  هذا الدّعم الدّافق هو تجلٍّ آخر لظهور روح التّعاون والتّعاضد المُتبادل في العمل المنهجيّ، تلك الرّوح الّتي لا غنى عنها لإحراز التّقدّم. 

إنّ إنجازات سلسلة الخطط السّابقة، لا سيّما خطّة السّنوات الخمس الأخيرة، ما كان لها أن تتحقّق دون إحراز تقدّم هائل في أعمال التّبليغ.  وأحد الأبعاد المهمّة لهذا العمل هو القدرة على الدّخول في محادثات حول مواضيع روحانيّة، وهي قدرة تمّ تناولها في رسالتنا الموجّهة إلى مؤتمركم في عام 2015، حيث وصفنا كيفيّة تنمية هذه القدرة من خلال المشاركة في دورات المعهد واكتساب الخبرة العمليّة.  من الواضح أنّ نمط النّشاط الّذي يتكشّف في مستوى القاعدة يفتح مجموعةً متنوّعةً من الفضاءات يمكن فيها للنّفوس المُستعدّة، أحيانًا عائلات بأكملها أو مجموعات من الأقران، المشاركة في محادثاتٍ هادفةٍ توقظ الاهتمام برؤية الأمر المبارك وشخص حضرة بهاء الله.  وبمرور الوقت، يبدأ العديد من هذه النّفوس باعتبار أنفسهم منتمين للجامعة البهائيّة، خاصّة مع اكتسابهم الثّقة للمشاركة في حياة الجامعة من خلال الخدمة.  والجامعة ترحّب بالطّبع بأيّ درجة من الانتماء يرغبها الشّخص، كبيرة كانت أم صغيرة.  ومع ذلك، فإنّ الاعتراف بحضرة بهاء الله كمظهر إلهيّ، وقبول الامتيازات والمسؤوليّات الّتي ترتبط حصرًا بالعضويّة في الجامعة البهائيّة، هي لحظة فريدة في التّطوّر الرّوحانيّ للفرد، وهي تختلف تمامًا عن المشاركة المُنتظمة في النّشاطات البهائيّة أو الإعراب عن دعم المبادئ البهائيّة.  لقد أظهرت التّجربة أنّ البيئة الّتي تمّ توفيرها بفضل مساعي بناء الجامعة في منطقة محلّيّة تمكّن أيّ شخص يرغب في اتّخاذ هذه الخطوة من القيام بذلك بكلّ يُسر.  وأينما كانت هذه المساعي جارية، من المهمّ للأحبّاء أن يظلّوا واعين بأنّ أبواب الأمر المبارك مُشْرَعَةٌ بالكامل، وأن يشجّعوا أولئك الّذين يقفون على أعتابها للولوج.  وفي المناطق الّتي ترسّخت فيها مثل هذه المساعي لفترةٍ من الزّمن، يكتشف العديد من المؤمنين أنّ نمطًا حيويًّا ومُتَّسِعًا من النّشاط يمكن أن يفضي بشكلٍ طبيعيّ إلى دخول عائلات ومجموعات من الأصدقاء، وحتّى مجموعات من الأسر، في الأمر المبارك.  ذلك لأنّه في الفضاءات الّتي يمكن فيها مناقشة إمكانيّة الانضمام إلى الجامعة بشكلٍ واضحٍ وشاملٍ بين أولئك الّذين يمتلكون حسًّا مشتركًا بالهويّة الجماعيّة، يُمكن للنّفوس أن تشعر بالرّاحة والطّمأنينة لاتّخاذ مثل هذه الخطوة معًا.  على المؤسّسات البهائيّة، وخاصّة المحافل الرّوحانيّة المحلّيّة، أن تتبنّى عقليّة تسمح بحدوث مثل هذه التّطوّرات، وتضمن إزالة أيّ عقبات تحول دون ذلك. 

نطلب منكم ومن معاونيكم مساعدة المؤمنين في كلّ مكان على التّفكير بشكلٍ دوريّ في طرق فعّالة لتبليغ الأمر المبارك في محيطهم، وإذكاء شغف التّبليغ في قلوبهم على شأنٍ يجذبون تأييدات الملكوت الأبهى.  إنّ لدى النّفوس الّتي فازت بنعمة الإيمان رغبةً طبيعيّةً في مشاركة هذه الهبة من خلال محادثات مع الأقارب والأصدقاء وزملاء الدّراسة وزملاء العمل وأولئك الّذين لم يتعرّفوا عليهم من قبل، وهم يبحثون في كلّ مكان وفي كلّ لحظة عن أُذُن صاغية.  فالبيئات والظّروف المختلفة تناسبها نُهُجٌ ومقاربات مختلفة، وعلى الأحبّاء أن ينهمكوا في عمليّة تعلّم مستمرّة للتّعرّف على أكثر الطّرق فاعليّة وتأثيرًا في أماكن تواجدهم. 

التّعلّم من المجموعات الجغرافيّة الأكثر تقدُّمًا

قبل ستّ سنوات وصفنا لكم خصائص المجموعة الجغرافيّة الّتي اجتاز الأحبّاء فيها المَعْلَم الثّالث على طول سلسلة النّموّ المتّصلة.  إنّ الوصول إلى هذا التّقدّم المُحرز يعني ضمنًا أنّ نشاطًا مكثّفًا يحدث في أحياء أو قرى معيّنة، إلى جانب جهود متضافرة تُبذل أيضًا من قبل عموم المؤمنين الّذين يعيشون في أرجاء المجموعة الجغرافيّة، بعبارةٍ أخرى، روح مُتنامية من المشاركة العموميّة في عمل بناء الجامعة.  وهذا يعني من النّاحية العمليّة حشد عددٍ كبيرٍ من البهائيّين الّذين يطبّقون بشكلٍ خلّاق وبتعقُّل وفِطنة إطار عمل الخطّة على واقعهم وظروفهم أينما تواجدوا في المجموعة الجغرافيّة الّتي يعيشون فيها.  إنّه يستلزم عمل العائلات وأفراد المؤمنين معًا، واتّخاذ قرارٍ واعٍ بأن يعتبروا أنفسهم نواةً آخذةً في التّوسّع.  تعمل مجموعات الأحبّاء هذه على توسيع دائرة المشاركين في نشاطاتها من خلال التّواصل ضمن شبكاتٍ ينتمون إليها، شبكات من العلاقات في مكان عمل أو دراسة، أو مدرسة محلّيّة، أو مركز مجتمعيّ آخر، ومن خلال مرافقة الآخرين الّذين ينهضون للخدمة معهم جنبًا إلى جنب.  هذه الجهود لها مزايا هائلة.  فحتّى عندما تضمّ المجموعة الجغرافيّة عددًا من المراكز المزدهرة للنّشاط المكثّف، فإنّ الجهود المبذولة في بقيّة أرجاء المجموعة الجغرافيّة قد تمثّل نسبةً كبيرةً من النّشاطات الجارية.  وننوّه أيضًا في هذا الصّدد، بالخطوات الّتي يتمّ اتّخاذها في بعض المجموعات الجغرافيّة للوصول بشكلٍ منهجيّ إلى مجموعة سكّانيّة محدّدة أظهرت استعدادًا روحانيًّا لتقبُّل الأمر المبارك، ولكنّها منتشرة في جميع أنحاء المجموعة الجغرافيّة.  ويمكن اعتبار ذلك شكلًا مُتخصّصًا من أشكال عمل بناء الجامعة، وهو شكلٌ يبشّر دومًا بالخير.  ومع زيادة المشاركة في عمل الخطّة بجميع أشكالها، تبرز العديد من الفرص أمام الأحبّاء للتّعلّم من تجاربهم المُتبادلة وإذكاء بهجة التّبليغ في قلوب بعضهم البعض. 

وبالطّبع، فإنّ العمل الجاري في الأحياء والقرى المستعدّة كان محطّ اهتمامٍ خاصّ في السّنوات الأخيرة.  ومع شروع سكّان هذه الأماكن في المشاركة بالنّشاطات البهائيّة بأعداد كبيرة، يجب إيلاء المزيد من الاهتمام بعمليّة التّنسيق من أجل مواكبة التّعقيد الّذي ينطوي عليه هذا العمل.  ففي كلّ مركزٍ لنشاطٍ مكثّف تطرأ ترتيبات للتّعاون بين مجموعات العائلات الّتي تنظّم نشاطات بناء الجامعة فيما بينها بهدف توسيع رحاب احتضان مثل هذه النّشاطات من قبل المزيد من الأُسر المجاورة، وتوفِّر شبكةٌ غير رسميّةٍ من الأحبّاء التّشجيع والدّعم للمساعي الجارية.  إنّ طابع الحياة اليوميّة في مثل هذه الأماكن يتكيّف مع ظهور ثقافةٍ تكون فيها العبادة والخدمة من النّشاطات الّتي يُعتزّ بها والّتي ينخرط فيها كثيرٌ من النّاس في آنٍ واحد.  فلقاءات الجامعة المُفعمة بالحيويّة والمُعَدّة جيّدًا، والّتي تمتدّ في بعض الحالات لتشمل مخيّمات ومهرجانات، تحدث بوتيرةٍ متزايدةٍ، وتحتلّ الموسيقى والأناشيد مكانةً بارزةً في مثل هذه المناسبات.  وباعتبارها جزءًا لا يتجزّأ من تنمية الجامعة منذ البداية، تبرز الفنون إجمالًا في مثل هذه البيئات كوسيلة مهمّة لإشاعة الفرح، وتقوية أواصر الوحدة، ونشر المعرفة، وترسيخ التّفاهم، فضلًا عن تعريف مبادئ أمر الله لأفراد المجتمع الأوسع.  وبطبيعة الحال، يبقى هناك تركيز قويّ على الانفتاح نحو المجتمع يتمثّل في:  إيجاد طرقٍ لاستمرار مشاطرة النّفوس، الّتي لم تتعرّف بعدُ على الأمر المبارك، بثمار نمطٍ مزدهرٍ من العمل. 

في هذه الأثناء، لاحظنا ظاهرةً معيّنةً تُثلج الصّدر، وصفنا لمحاتها المُبْكِرة في رسالتنا لمؤتمركم في عام 2015 بأنّها تمثّل آفاقًا جديدة.  ورغم أنّ تعلّم كيفيّة احتضان أعداد كبيرة هو إحدى سمات أيّ مجموعة جغرافيّة اجتازت المَعْلَم الثّالث، فإنّ تركيز الأحبّاء يبدأ بالضّرورة في الاتّساع حينما تشارك نسبةٌ كبيرةٌ من السّكّان في منطقةٍ معيّنة في نشاطات بناء الجامعة.  قد لا تحدث نسبة المشاركة هذه إلّا في منطقة سكنيّة محدّدة في مجموعة جغرافيّة أو في عدّة مناطق أو في قرية واحدة؛ مناطق أخرى من المجموعة الجغرافيّة قد لا تعيش هذا الواقع بعد.  ولكن في أماكن كهذه، فإنّ أفكار الأحبّاء الّذين يعملون في مستوى القاعدة تنشغل بشكلٍ متزايدٍ بتقدّم ورفاه كلّ شخص يعيش في جوارهم.  يتزايد شعور المؤسّسات البهائيّة بمسؤوليّتها تجاه التّربية الرّوحانيّة لجيلٍ كاملٍ من الأطفال والشّباب النّاشئ، والّذين قد يكون معظمهم أو حتّى جميعهم منخرطين بالفعل في نشاطات الجامعة.  تعمل المحافل الرّوحانيّة المحلّيّة على تقوية علاقاتها مع السّلطات والقادة المحلّيّين، بل وعلى الدّخول في علاقات تعاونيّة رسميّة، وإيلاء اهتمامٍ متزايد بمبادرات العمل الاجتماعيّ المتعدّدة النّاجمة عن مجموعات من الشّباب النّاشئ، والشّباب، والنّساء، والعائلات، أو غيرهم ممّن يلبّون احتياجات مَن هم حولهم.  إنّ المستوى الهائل من النّشاط وتنوّعه يستلزم من أعضاء هيئة المُعاونين تعيين العديد من المساعدين لخدمة قريةٍ واحدةٍ أو حيٍّ من الأحياء؛ كلّ مساعدٍ قد يتّبع واحدًا أو أكثر من خطوط العمل، ويقدّم المشورة والدّعم عند الضّرورة، ويضفي زخمًا على العمليّات الجارية. 

في الأماكن الّتي وصلت فيها نشاطات الخطّة إلى هذا الحدّ من الانتشار، يمتلك السّكّان الآن قدرةً متزايدةً إلى حدٍّ كبير على توجيه مسار تنميتهم، والآن أصبحت لدى مؤسّسات ووكالات الأمر المبارك هناك رؤية موسّعة لمسؤوليّاتها.  وبطبيعة الحال، فإنّ هذه المسؤوليّات تتضمّن إيجاد أنظمةٍ قويّةٍ لبناء القدرات بشكلٍ مستمرّ ودعم أولئك الّذين يأخذون زمام المبادرة.  لكنّ تقدّم الجامعة يعتمد، إلى حدٍّ أكبر من ذي قبل، على وعي المؤسّسات والوكالات المحلّيّة بالقوى الاجتماعيّة المؤثّرة في محيطها وعملها من أجل الحفاظ على سلامة ونزاهة المساعي العديدة للجامعة.  في غضون ذلك، يطرأ على علاقة الجامعة البهائيّة بالمجتمع المحيط بها تغييرٌ عميق.  لقد غدت الجامعة البهائيّة، بحدّ ذاتها، ممثّلةً بهياكلها الإداريّة الرّسميّة وتدابيرها التّعاونيّة غير الرّسميّة، نصيرًا بارزًا في المجتمع، نصيرًا مستعدًّا لتحمّل مسؤوليّات هامّة وتكثيف عمليّة جماعيّة واسعة من التّعلّم حول التّقدّم الرّوحانيّ والمادّيّ.  وفي الوقت نفسه، بينما يحتضن المجتمع الأوسع العديدَ من جوانب حياة الجامعة البهائيّة ويتشرّب روحها الموحِّدة، فإنّ قوّة الحركة الحادثة تسمح للفئات المتنوّعة بالالتقاء معًا في حركة موحّدة تلهمها رؤية حضرة بهاء الله بوحدة الجنس البشريّ.  إنّ عدد الأماكن، الّتي وصل فيها النّمط البهائيّ لحياة الجامعة إلى هذا الحدّ من الانتشار حتّى الآن، يُعتَبر متواضعًا إلا أنّه آخذٌ في الازدياد.  هنا، نشهد إطلاقًا لقوّة بناء المجتمع الكامنة في الأمر المبارك لا تماثل أيًّا ممّا رأيناه من قبل. 

وبطبيعة الحال، فإنّ انتشار النّشاط البهائيّ على هذا النّطاق ليس أمرًا مُمكنًا في كلّ مكان.  فمن الضّروريّ تفهّم التّفاوت الّذي تخلقه الظّروف والأوضاع في مجموعةٍ جغرافيّة أو في أجزاء منها، واختلاف النّاس في خصائصهم، أيّ بسبب واقع تلك الظّروف.  وتبعًا لذلك، فإنّ الطّرق الّتي سوف تجد قوّة بناء المجتمع الكامنة في الأمر المبارك تعبيرًا لها في مواقع مختلفة سوف تتباين.  ولكن بغضّ النّظر عن مدى رحابة احتضان حياة الجامعة البهائيّة لأولئك الّذين يقيمون في منطقةٍ بعينها، وبغضّ النّظر حتّى عن قوّة برنامج النّموّ في مجموعة جغرافيّة أو مستوى النّشاط في حيّ أو قرية، فإنّ التّحدّي الّذي يواجه الأحبّاء الّذين يخدمون في مستوى القاعدة هو نفسه في كلّ مكان.  يتحتّم عليهم أن يقرأوا واقعهم وأن يسألوا:  ما هي الأهداف المناسبة للسّعي لتحقيقها في دورةٍ أو سلسلة دورات النّشاط القادمة في ضوء الإمكانيّات والمتطلّبات المتاحة؟  أنتم ومعاونوكم في وضع مثاليّ لطرح هذا التّساؤل ولضمان تحديد الخطط والتّدابير المناسبة.  يمكن تعلّم الكثير من تجربة الأحبّاء في مجموعات مماثلة، ذلك لأنّ الجامعة المتقدّمة خطوة إضافيّة على الطّريق نفسها يمكنها أن تقدّم بصائر قيّمة حول الهدف التّالي الّذي يمكن السّعي لتحقيقه.  وبينما يتأمّل الأحبّاء ما هو ماثلٌ أمامهم، سيرون بسهولة أنّ لكلّ جامعة هدفًا في متناول اليد، ولكلّ هدفٍ طريقٌ للوصول إليه.  بينما ننظر إلى الأفق على هذا الطّريق، أفلا نرى بعين البصيرة حضرة بهاء الله، بيده مقاليد شؤون البشر، وبيده الأخرى يدعو الكلَّ أن أسرعوا، أسرعوا؟

المساهمة في التّحوّل المجتمعيّ

إنّ ظهور حضرة بهاء الله معنيٌّ بإحداث التّغيير والتّبديل في حياة البشر وبيئتهم الاجتماعيّة.  تصف رسالة كُتبت بالنّيابة عن حضرة شوقي أفندي كيف أنّ البيئة الاجتماعيّة توفّر "الأجواء" الّتي يمكن فيها للنّفوس "أن تنمو روحانيًّا وتعكس بالكامل النّور الإلهيّ" المُتجلّي من شمس ظهور حضرة بهاء الله.  فعندما تبذل عُصبةٌ متناميةٌ من سكّان مجموعةٍ جغرافيّة، ألهمتهم تعاليم الأمر المبارك، جهودًا للمساعدة في تحسين السّمة الرّوحانيّة والأوضاع الاجتماعيّة للمجتمع الأوسع الّذي ينتمون إليه، فإنّه دلالةٌ واضحةٌ على إطلاق قوّة بناء المجتمع الكامنة في أمر الله هناك.  إنّ مساهمة البهائيّين تتميّز بتركيزها على بناء القدرة على الخدمة؛ إنّها مقاربةٌ قائمةٌ على الإيمان بقدرة مجموعةٍ من السّكّان على أن يأخذوا على عاتقهم مهمّة تطوير أنفسهم. 

فبينما عمل بناء الجامعة في مجموعة جغرافيّة يزداد تكثيفًا، لا شكّ أنّ الأحبّاء هناك يصبحون أكثر وعيًا وإدراكًا بالموانع الاجتماعيّة أو الاقتصاديّة أو الثّقافيّة الّتي تعيق التّقدّم الرّوحانيّ والمادّيّ لأفراد المجتمع.  أطفالٌ وشبابٌ ناشئ يفتقرون إلى دعمٍ في تعليمهم، فتياتٌ يتعرّضن لضّغوطٍ بسبب العادات والتّقاليد المتعلّقة بالزّواج المُبْكر، عائلاتٌ تحتاج إلى مساعدةٍ في فهم أنظمة الرّعاية الصّحّيّة غير المألوفة، قريةٌ تعاني لافتقارها إلى بعض الاحتياجات الأساسيّة، أو تعصّبات قديمة ناشئة عن عداءات متوارثة بين مجموعاتٍ مختلفة، عندما تؤدّي جهود الجامعة البهائيّة في مجال التّوسّع والاستحكام إلى مواجهة حالات كهذه وكثير غيرها، فستضطرّ  للاستجابة لمثل هذه الأوضاع حسبما تسمح به ظروفها.  عند التّأمّل في مثل هذه الحالات، يظهر جليًّا أنّ المساعي الجارية ضمن المجموعة الجغرافيّة من توسّعٍ واستحكام، وعمل اجتماعيّ، ومساهمة في الحوارات السّائدة، إنّما هي أبعادٌ لمسعًى واحدٍ متّحدٍ منفتحٍ نحو المجتمع يجري في مستوى القاعدة.  كلّ هذه الجهود تتمّ متابعتُها وفقًا لإطار عمل مشترك، وهذا يحقّق، قبل كلّ شيءٍ آخر، الاتّساق في النّمط العامّ للنّشاط. 

تبدأ بواكير العمل الاجتماعيّ في مستوى القاعدة بالبروز في مجموعةٍ جغرافيّةٍ مع ازدياد توفّر الموارد البشريّة والقدرة على القيام بمجموعةٍ أوسع من المهام.  لقد أثبتت القرى بشكلٍ ملحوظٍ أنّها أرضٌ خصبةٌ  لمبادرات العمل الاجتماعيّ الّتي برزت واستدامت، ولكن في المناطق الحضريّة أيضًا، نجح الأحبّاء الّذين يعيشون هناك في تنظيم نشاطاتٍ وتنفيذ مشاريع تلائم الظّروف الاجتماعيّة، أحيانًا من خلال العمل مع المدارس المحلّيّة ووكالات المجتمع المدنيّ أو حتّى الهيئات الحكوميّة.  يجري العمل الاجتماعيّ في عدد من المجالات الهامّة، بما في ذلك البيئة والزّراعة والصّحّة والفنون، وعلى وجه الخصوص في مجال التّربية والتّعليم.  نتوقّع على مدار خطّة السّنوات التّسع، خاصّة وأنّ دراسة دوراتٍ معيّنة للمعهد تحفّز نشاطًا أكبر في هذا المجال، أن نرى تضاعفًا في الجهود الرّسميّة وغير الرّسميّة لترويج التّنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة للشّعوب.  ستتطلّب بعض هذه المبادرات المجتمعيّة هياكلَ إداريّةً أساسيّةً لاستدامة عملها.  وحيثما تكون الظّروف مواتية، سيلزم تشجيع المحافل الرّوحانيّة المحلّيّة لتعلّم أفضل السّبل لرعاية مبادرات وليدة وتعزيز الجهود الواعدة.  في بعض الحالات، فإنّ الاحتياجات المرتبطة بمجال مسعىً معيّنٍ تبرّر تأسيس منظّمة تعمل بهديٍ من التّعاليم البهائيّة، ونتوقّع ظهور المزيد من هذه المنظّمات خلال الخطّة القادمة.  من جانبها، سيتعيّن على المحافل الرّوحانيّة المركزيّة إيجاد طرق تمكّنها من البقاء على اطّلاع وافٍ بما يتمّ تعلّمه في مستوى القاعدة في جامعاتها، وتحليل الخبرة المكتسبة؛ وفي بعض الأماكن سيستلزم ذلك إنشاء وحدة متخصّصة بمتابعة العمل الاجتماعيّ.  وبنظرة شاملة إلى العالم البهائيّ، يسعدنا أن نرى مقدار الزّخم الّذي تمّ توليده بالفعل في هذا المسعى بتشجيعٍ ودعمٍ من المنظّمة البهائيّة العالميّة للتّنمية. 

ترتبط القدرة على المساهمة في حوارات المجتمع ارتباطًا وثيقًا بالقدرة على الانخراط في العمل الاجتماعيّ.  في جوهرها، إنّها ببساطة قدرة على المشاركة في محادثة حول مسألة تؤثّر على حياة النّاس، وتقدّم وجهة نظر مبنيّة على المبادئ البهائيّة والتّجربة البهائيّة.  من هذا المنطلق، إنّها مهارة يمكن للعديد من البهائيّيّن ممارستها بشكلٍ شبه يوميّ من خلال دراستهم أو مهنهم على سبيل المثال، ويتمّ صقلها عن طريق المشاركة في دورات المعهد؛ وفي صيغتها الأكثر رسميّة، فإنّها أساسيّة لعمل الجامعة البهائيّة العالميّة والمكاتب المركزيّة للشّؤون الخارجيّة.  وفيما يتعلّق بإطلاق قوة بناء المجتمع الكامنة في الأمر المبارك في مستوى القاعدة، فإنّها قدرة تزداد الحاجة إليها حينما يؤدّي الارتباط الوثيق مع مجموعة من السّكّان، نتيجة عمليّة التّوسّع والاستحكام، إلى زيادة الوعي بالمشاكل الاجتماعيّة السّائدة في منطقة ما، وتطلّعات أهلها للتّغلّب عليها.  مع ارتفاع عدد المشاركين في نشاطات بناء الجامعة، تزداد حاجة الجامعة البهائيّة إلى أن تقوم، ككيانٍ موحَّد، بتقديم نظرتها المدروسة حول العقبات الّتي تعترض التّقدّم الاجتماعيّ والقضايا الّتي تُثقل كاهل عقول وأرواح أولئك الّذين تتعامل معهم.  وينطوي ذلك على تبعات خاصّة بالنّسبة للمحافل الرّوحانيّة المحلّيّة.  ففي الأماكن الّتي حقّقت فيها نشاطات الخطّة درجة من الانتشار، يبدأ النّظر إلى المحفل الرّوحانيّ على نطاق أوسع باعتباره مصدرًا للبصيرة الأخلاقيّة.  وبمرور الوقت، تصبح الجهود المبذولة للمساهمة في حوارات المجتمع أكثر منهجيّة، ويصبح البهائيّون ماهرين في مساعدة من حولهم على الانخراط بشكل بنّاء في الحوار والتّوصّل إلى توافق في الآراء.  ويتمّ البحث عن فرص لمشاركة وجهات النّظر البهائيّة مع قادة المجتمع والمسؤولين، ويتمّ إيجاد فضاءات يمكن من خلالها مساعدة ممثّلي مختلف المجموعات والمصالح المعنيّة للوصول إلى وجهة نظر مشتركة من خلال المشورة.  نعرب عن سرورنا للخطوات المتّخذة لتعلّم كيف يمكن الاستفادة من البصائر المستمدّة من ظهور حضرة بهاء الله ومن تجربة الجامعات البهائيّة وتطبيقها في حلّ القضايا الاجتماعيّة المُلحّة في المستوى المحلّيّ؛ من المؤكّد أنّ هناك الكثير ممّا يمكن تعلّمه في هذا المجال خلال خطّة السّنوات التّسع. 

نودّ التّأكيد على أنّ العمل الاجتماعيّ والجهود المبذولة للمشاركة في الحوارات السّائدة في المجتمع، في الماضي والحاضر، لم يظهرا في سياق النّموّ فحسب، ولكن أيضًا نتيجة سعي أفراد من الأحبّاء للمساهمة في تقدّم المجتمع بالطّرق المُتاحة لهم.  وكاستجابةٍ شخصيّة لنداء حضرة بهاء الله للعمل من أجل إصلاح العالم، اختار المؤمنون بطرقٍ مختلفة تبنّي مهنًا معيّنة وتحيّنوا الفرص لدعم نشاطات المجموعات والمنظّمات المماثلة لهم فكريًّا.  فبدأت المشاريع الكبيرة والصّغيرة بغية الاستجابة لِطَيفٍ من القضايا الاجتماعيّة.  تأسّس العديد من المنظّمات الّتي تعمل بهدي من التّعاليم البهائيّة من قبل مجموعات من الأفراد للعمل من أجل تحقيق أهداف مختلفة عديدة، وأُنشئت كياناتٌ متخصّصة لإيلاء الاهتمام بحوارٍ معيّن.  لقد انتفعت كلّ هذه الجهود، مهما كان نطاقها، من قدرتها على الاعتماد على المبادئ والبصائر الّتي توجّه نشاطات الجامعة البهائيّة الجارية في مستوى القاعدة في جميع أنحاء العالم، كما انتفعت أيضًا من النّصائح الحكيمة الّتي أسدتها المحافل الرّوحانيّة المحلّيّة والمركزيّة.  يسرّنا أن نرى هذا التّعبير عن الإيمان بأشكاله المتنوّعة والمتناغمة من قبل أتباع الجمال المبارك المخلصين، والّذي يأتي استجابةً لمعاناة عالم مُبْتَلٍ بالحيرة والاضطراب.

المساعي التّعليميّة والمعهد التّدريبيّ

لا يمكن المغالاة في تقدير أهمّيّة التّربية والتّعليم في المفهوم البهائيّ للتّحوّل الرّوحانيّ والاجتماعيّ.  يتفضّل حضرة بهاء الله: "لاحظوا أنّ شمس اسم الرّبّ تتجلّى في الجميع، ذلك لأنّ آثار تجلّي هذا الاسم مشهودة، وتربية الجميع منوطة بها".  إنّ أهمّيّة التّربية والتّعليم في عمل بناء الجامعة جليّة، وفي مجال العمل الاجتماعي فإنّ توفير التّعليم هو الإسهام المميّز للبهائيّيّن في معظم أنحاء العالم.  يحتلّ المعهد التدريبي بالطّبع مركز الصّدارة بين الهياكل والوكالات الّتي أوجدها العالم البهائيّ لتوفير التّربية والتّعليم.  وفي الواقع، تعدّ شبكة المعاهد التّدريبيّة المركزيّة والإقليميّة الّتي تعمل بمثل هذه الكفاءة في جميع أنحاء العالم من بين أفضل ثمار سلسلة الخطط العالميّة السّابقة.  إنّ بناء قدرة الجامعات على الخدمة من خلال تمكين أعداد متزايدة من الأفراد من الاستفادة من عمليّة المعهد سيظلّ سمة رئيسيّة للخطط في السّلسلة الحاليّة.  إنّ القدرة على تنمية الجامعة الّتي ظهرت بالفعل، والمتمثّلة بثروة من مئات الآلاف من الأفراد القادرين على الخدمة كمرشدين أو محرّكين أو معلّمي صفوف الأطفال، تعتبر إنجازًا تاريخيًّا. 

عندما قدّمنا مفهوم المعهد التّدريبي لأوّل مرّة، كان ذلك في سياق الحاجة إلى إيجاد موارد بشريّة تتولّى مهام التّوسّع والاستحكام.  في هذا المنعطف الّذي انطلقت فيه للتّوّ سلسلة جديدة من الخطط، ندعوكم لإلقاء نظرةٍ أكثر شموليّة.  إنّ مشاركة أحبّاء الله في دورات المعهد تُعدّهم لانخراطٍ أعمق في حياة المجتمع الأوسع، وعلى نحو متزايد؛ فهي تمنحهم المعرفة والبصائر والمهارات الّتي تمكّنهم من المساهمة ليس في عمليّة تطوير جامعتهم فحسب، بل في تقدّم المجتمع بأسره.  باختصار، المعهد هو وسيلة فعّالة لإطلاق قوّة بناء المجتمع الكامنة في هذا الأمر المبارك.  ورغم أنّ مهمّة تطوير موادّ المناهج لدعم هذا الغرض هي مهمّة طويلة الأجل، إلّا أنّ المواد الموجودة حاليًّا تهدف إلى بناء القدرة للقيام بمجموعة واسعة من المبادرات.  علاوة على ذلك، فإنّها تقدّم تجربة تعليميّة متّسقة وتستمرّ بسلاسة من سنّ الخامسة، مرورًا بمرحلة الشّباب النّاشئ، وحتّى سنّ الرّشد، وهي نظيرٌ مباشر لنمط النّشاطات الّذي يتكشّف في مستوى القاعدة.  في هذا الصّدد، أسعدنا رؤية البصائر الغنيّة الّتي يولّدها الأحبّاء في أجزاء مختلفة من العالم، وفي مجموعةٍ متنوّعةٍ من السّياقات الاجتماعيّة والثّقافيّة، حول جوانب تنمية الجامعة.  إذا كانت هذه البصائر، وتلك الّتي ستظهر في المستقبل، ستفيد الجامعات البهائيّة على نطاق أوسع، فلا بدّ من توسيع الأنظمة اللّازمة لإعداد وتحسين الموادّ التّعليميّة.  آخذين ذلك في الاعتبار، سنضع قريبًا المقاربة الّتي ستوجّه هذا العمل خلال السّنوات القادمة. 

أمّا بخصوص رفع قدرة المعاهد على تقديم كلّ مرحلةٍ من مراحل العمليّة التّعليميّة الثّلاث، يسعدنا أن نرى إيلاء اهتمام متزايد بالارتقاء بنوعيّة التّجربة التّعليميّة نفسها، بالإضافة إلى توسيع نظام إيصالها.  متطلّب أساسيّ لذلك هو تمكين جميع المساهمين في عمل المعهد من تطوير فهمهم للمحتوى التّعليميّ بشكلٍ تدريجيّ: أهدافه، وهيكليّته، وأصوله التّربوية (بيداغوجيا)، ومنهجيّته، ومفاهيمه الأساسيّة، وترابطه.  لقد تمّ دعم العديد من هيئات المعاهد التّدريبيّة في هذا الصّدد من قبل الفرق التّعاونيّة الّتي وُصفت في رسالتنا إلى مؤتمركم في عام 2015.  في بعض الأماكن، بدأت فرقٌ منفصلة أيضًا بالتّركيز تباعًا على صفوف الأطفال، ومجموعات الشّباب النّاشئ، والحلقات الدّراسيّة، وتحديد العوامل الّتي تساهم في فعاليّتها وإيجاد طرق لمساعدة الأحبّاء المشاركين في كلّ طريق من طرق الخدمة لزيادة قدراتهم.  غالبًا ما يكون المعاونون ومساعدوهم في منطقة ما أوّل من يتأكّدون بأن يصل ما يتمّ تعلمه إلى عددٍ أكبر من الأحبّاء في أنحاء المجموعات الجغرافيّة المجاورة وفي مراكز النّشاط المكثّف.  يخدم الأفراد ذوو الخبرة والمراس في تعزيز نشاطات المعهد كموارد بشريّة متخصّصة، وقد أثبتوا نجاعتهم في مساعدة المعاهد في مرحلةٍ مُبْكرة من تطوّرها على التّقدّم.  ومع ذلك، وبشكلٍ عام، فإنّ المشاورين هم الّذين يضمنون أن يصبح كلّ معهد على دراية بالعديد من البصائر الرّئيسيّة الّتي تولّدها المعاهد الشّقيقة في البلدان والمناطق المجاورة.  وقد قام المشاورون باتّخاذ التّرتيبات اللّازمة لتنظيم المعاهد حسب أحجامها في مجموعات مختلفة لتجعل بالإمكان مشاركة الدّروس الّتي تعلّمتها من قبل المعاهد الأكثر خبرة على نطاقٍ أوسع، وبشكل متزايد من خلال النّدوات الرّسميّة.  كلّ هذه التّرتيبات سوف تحتاج إلى تعزيزٍ خلال الخطّة القادمة.  في الأماكن الّتي يعمل فيها موقعٌ لنشر التّعلّم عن برنامج التّمكين الرّوحانيّ للشّباب النّاشئ، ثبت بالفعل أنّ التّعاون بين موقع التّعلّم والمعاهد التّدريبيّة المُرتبطة به مثمرٌ للغاية، وينبغي تكثيفه؛ إنّ سعيهم لتحقيق هدف مشترك ورغبتهم المشتركة في رؤية المجموعات الجغرافيّة تتقدّم تخلقان ظروفًا مثاليّة لازدهار روح التّعاون والتّعاضد المتبادل.  إنّ المعرفة الّتي تراكمت الآن حول العوامل الّتي تساهم في فعاليّة عمليّة المعهد، هي معرفة واسعة مستفيضة، ونتطلّع إلى دار التّبليغ العالميّة لتنظيم ما تمّ تعلّمه وإتاحته لكم. 

ما وصفناه أعلاه هو نظامٌ تعليميٌّ في حالة صقلٍ مستمرّ.  وهذا يتطلّب من العديد من الأفراد تقديم دعمهم من أجل تطوّره المستمرّ؛ كما يتطلّب أيضًا من المعاهد التّدريبيّة، ومن المؤسّسات البهائيّة على نحو أعمّ، التّخطيط المسبق والتّأكّد من أنّ الأفراد الّذين طوّروا قدرةً كبيرةً على دعم المساعي التّعليميّة للجامعة قادرون على استدامة خدمتهم ويمكنهم، عندما تتغيّر ظروف حياتهم، الاستمرار في المشاركة في عمل المعهد بطرق هادفة أخرى.  تقديرًا لفعاليّة عمليّة المعهد، سيشعر كلّ فرد من أتباع حضرة بهاء الله، وبالأخصّ الشّباب البهائيّ، بالرّغبة في المساهمة في تقدّمه بطريقة أو بأخرى.  تدرك المعاهد جيّدًا أنّ إطلاق الإمكانات الّتي يمتلكها الشّباب هو مهمّتها المقدّسة.  نطلب الآن من الشّباب البهائيّ أن يعتبروا التّطوّر المستقبليّ للمعهد هو مهمّتهم المقدّسة أيضًا.  على مشارف مسعًى جماعيّ يمتدّ لتسع سنوات لرفع المعهد إلى مستوى أعلى من الأداء، نتوقّع أن نرى حركةً واسعةً من الشّباب ينصبون المعيار.  يجب عليهم اغتنام كلّ فرصةٍ، في مدارسهم وجامعاتهم، وفي الفضاءات المخصّصة للعمل أو العائلة أو التّفاعل الاجتماعيّ، لتشجيع المزيد والمزيد من النّفوس على الاستفادة من برامج المعهد.  سيتمكّن بعض الشّباب من تكريس فترة من الخدمة، ربّما لعدّة سنوات، لتوفير التّعليم، وخاصّة لمن هم أصغر منهم سنًّا؛ وللكثيرين منهم، سيكون دعم نشاطات المعهد بُعدًا دائمًا في حياتهم طوال فترة دراستهم، وفي سعيهم لكسب العيش من مزاولة عملهم في هذا العالم؛ ولكن لكلّ واحد منهم ينبغي أن يكون ذلك ليس بأقلّ من التزامٍ عزيزٍ على قلوبهم. 

في أجزاء كثيرة من العالم، كانت النّتيجة الطّبيعيّة لمشاركة الأفراد والعائلات في عمليّة المعهد هي وعيٌ متزايدٌ بأهمّيّة التّربية والتّعليم بجميع أشكالها.  الأحبّاء الّذين يخدمون كمعلّمين لصفوف الأطفال يولون اهتمامًا كبيرًا بالتّطوّر التّعليميّ الشّامل لمن يقومون بتعليمهم، في حين أنّ الأحبّاء الّذين يخدمون كمرشدين ومحرّكين مهتمّون بشكلٍ طبيعيٍّ بالمدى الّذي يتمكّن أولئك الّذين يقتربون من مرحلة البلوغ أو يدخلونها، الفتيات والفتيان على حدٍّ سواء، من الحصول على التّعليم بأنواعه والاستفادة منه، ولا يكون التّعليم مقتصرًا على الدّورات الّتي يقدّمها المعهد نفسه.  فمثلًا، يمكنهم تشجيع الشّباب على التّطلّع نحو التّعليم المهنيّ أو الدّراسة الجامعيّة.  لقد أذهلنا كيف أنّ انخراط أعدادٍ كبيرةٍ في عمليّة المعهد، في العديد من الجامعات، قد أعاد تدريجيًّا تشكيل هذا الجانب من الثّقافة لدى السّكّان.  سوف تحتاج مؤسّسات الأمر المبارك إلى تحمّل المسؤوليّة لضمان أنّه، مع رفع الوعي بهذه الطّريقة، فإنّ الطّموحات النّبيلة الّتي تتولّد لدى الشّباب نتيجةً لذلك، طموحات للحصول على التّعليم والتّدريب الّذي سيسمح لهم بتقديم خدمة هادفة لمجتمعهم، يمكن تحقيقها.  إنّ التّنمية طويلة الأمد للجامعة، وفي المحصّلة للأمّة، من جيلٍ إلى جيل، تعتمد إلى حدٍّ كبيرٍ على الجهد المبذول للاستثمار في أولئك الّذين سيتولّون مسؤوليّة التّقدّم الاجتماعيّ الجماعيّ. 

هذا الاستكشاف لمحوريّة التّربية والتّعليم في جامعةٍ قائمةٍ على المبادئ البهائيّة لن يكتمل دون مزيد من التّفحّص.  لقد شدّد حضرة شوقي أفندي بشكلٍ كبيرٍ على أهمّيّة بذل الجهد، من خلال "السّعي المستمرّ"، للحصول على "فهم وافٍ لأهمّيّة ومغزى ظهور حضرة بهاء الله العظيم".  ليس هنالك ما يوازي المعهد التّدريبيّ كأداةٍ للتّعريف المنهجيّ لأعداد غير محدودة من النّاس بكوثر الحيوان لهذا الظّهور والمعنى الّذي لا ينضُب لكلمة الله.  لكن جهود الأحبّاء لزيادة فهمهم للأمر المبارك وتعاليمه لا تقتصر بالطّبع على المشاركة في عمليّة المعهد.  في الواقع، أحد المؤشّرات القويّة لفعاليّة المعهد هو العطش الّذي يولّده لدى أولئك الّذين يدرسون موادّه لمواصلة دراسة أمر حضرة بهاء الله، بشكلٍ فرديّ، ولكن أيضًا بشكلٍ جماعي، سواء في فضاءات رسميّة أوجدتها المؤسّسات أو في المزيد من الوضعيّات غير الرّسميّة.  إلى جانب دراسة الآثار الإلهيّة نفسها، فإنّ تطبيق التّعاليم في مجالات لا حصر لها من المساعي البشريّة يحظى بأهمّيّة كبيرة.  من الأمثلة البارزة على أحد أشكال التّربية والتّعليم الّتي من خلالها يصبح المؤمنون الشّباب على دراية أفضل بالمنظور البهائيّ حول القضايا ذات الصّلة بتقدّم البشريّة، هو المشاركة في النّدوات الّتي يقدّمها معهد دراسات الرّخاء العالميّ.  ونظرًا لاتّساع بحر ظهور حضرة بهاء الله، سيكون من الواضح أن سبر غور أعماقه هو مهمّة تستمرّ مدى الحياة لكلّ نفسٍ ستخطو في طريق الخدمة. 

نظرًا لأنّ المساهمة الّتي يقدّمها الأمر المبارك في تقدّم المجتمع في أجزاء مختلفة من العالم تكتسب وضوحًا أكبر، ستتمّ دعوة الجامعة البهائيّة بشكلٍ متزايد لتوضيح المبادئ الّتي تنادي بها، وإثبات قابليّة تطبيقها لحلّ القضايا الّتي تواجه البشريّة.  كلّما أزهرت الحياة الفكريّة للجامعة وازدهرت، زادت معها قدرتها على تلبية هذه الدّعوة.  سيكون على أتباع حضرة بهاء الله أن يظهروا في عالم الأفكار انضباطًا ووضوحًا في الرؤى يضاهي التزامهم بالتّقدّم الرّوحيّ والمادّيّ في عالم الأفعال. 

رفع القدرة الإداريّة في جميع المستويات

قبل ثمانين عامًا، وفي رسالة كُتبت بالنّيابة عن حضرة وليّ أمر الله، وصف النّظم الإداريّ البهائيّ بأنّه "الشّكل الأوّليّ لما ستؤول إليه الحياة والقوانين الاجتماعيّة في المستقبل".  اليوم، وفي بداية القرن الثّاني من عصر التّكوين، تطوّر شكل النّظم الإداري البهائيّ على نحوٍ كبيرٍ، وسيكون تطوّره المستمرّ ضروريًّا لإطلاق قوّة بناء المجتمع الكامنة في الأمر المبارك.

لا شكّ أنّ إدارة الأمر المبارك في مستوى القاعدة، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتطوّر المحافل الرّوحانيّة المحلّيّة.  فقد وصف حضرة شوقي أفندي بيوت العدل الوليدة هذه بأنّها "العصب الرّئيس للمجتمع البهائيّ، والأساس المتين لصرح نظمه الإداريّ"، ويؤكّد حضرته بقوّة على أهمّيّة تشكيلها.  في عام 1995، دعونا إلى إعادة العمل بالممارسة الّتي كانت تستوجب انتخاب جميع المحافل المحلّيّة، بما في ذلك تلك الّتي يتمّ تأسيسها حديثًا، في اليوم الأوّل من الرّضوان بدلًا من أيّ وقتٍ آخر خلال العام.  كان هذا التّطوّر مرتبطًا بحقيقة أنّه بينما يمكن للمؤمنين من خارج منطقةٍ محلّيّةٍ أن يساعدوا في العمليّة الانتخابيّة، إلّا أنّ المسؤوليّة الأساسيّة لانتخاب أيّ محفلٍ والحفاظ على عمليّاته تقع على عاتق البهائيّين المقيمين في ذلك المكان؛ فالكثير يتوقّف على استعدادهم للقيام بالنّشاط الإداريّ.  لقد رأينا، في السّنوات الأخيرة، كيف يمكن لحسّ بالهويّة البهائيّة أن يكتسب القوّة تدريجيًّا في منطقة ما بينما يترسّخ نمطٌ من العمل يرتكز على التّعاليم بين الأفراد والعائلات الّذين يعيشون هناك.  وبالتّالي، غالبًا ما تكون الجامعة قد أحرزت مستوى معيّنًا من القدرة فيما يتعلّق بمساعي بناء الجامعة بحلول الوقت الّذي يصبح فيه تشكيل المحفل المحلّيّ مُمكنًا.  مع اقتراب هذه المرحلة، ولا ينبغي تأخيرها بلا داعٍ، يجب بذل الجهود لغرس تقدير للجوانب الرّسميّة لحياة الجامعة المرتبطة بالنّظم الإداريّ البهائيّ.  من المرجّح أن يكون المحفل المحلّيّ الّذي يبرز في مثل هذه البيئة مدركًا تمامًا لمسؤوليّته في تشجيع وتقوية تلك النّشاطات الّتي تساعد في الحفاظ على جامعةٍ نابضةٍ بالحياة.  ومع ذلك، سيحتاج أيضًا إلى اكتساب الكفاءة في الاضطلاع بطيفٍ واسعٍ من المسؤوليّات الأخرى، وسيكون الدّعم المُقدّم له من قبل معاونيكم ومساعديهم ذا أهمّيّة حيويّة بالغة.  في رسالتنا إلى مؤتمركم لعام 2010، وصفنا مسار التّطوّر لمحفل كهذا، وأشرنا إلى الأبعاد المختلفة لعمله الّذي تحتاج إلى رعاية، بما في ذلك قدرته على إدارة صندوق محلّيّ وتطويره، وفي الوقت المناسب، دعم مبادرات العمل الاجتماعيّ والتّفاعل مع وكالات الحكومة المحلّيّة والمجتمع المدنيّ.  إنّ الفوائد الّتي تعود على جامعة يخدمها مثل هذا المحفل لا تحتاج إلى مزيدٍ من التّفصيل. 

في تعاملاتكم مع المحافل الرّوحانيّة المركزيّة والمجالس البهائيّة الإقليميّة، نطلب منكم تكريس الاهتمام لمسألة تأسيس المحافل الرّوحانيّة المحلّيّة واستحكام عمليّاتها، خاصّة في المناطق الّتي قد يكون فيها هذا الجانب من النّموّ قد حظي بقدرٍ أقلّ من التّركيز.  ونتوقّع أن يُسهم ذلك في زيادةٍ سريعةٍ في عدد المحافل المحلّيّة الّتي يتمّ تشكيلها سنة بعد أخرى.  في بعض البلدان، سوف تحتاج مشاوراتكم إلى النّظر فيما إذا كانت التّرتيبات الحاليّة لتعيين حدود كلّ منطقة محلّيّة في المناطق الرّيفيّة ملائمة. 

إحدى البصائر الواضحة الّتي برزت هي أنّ مدى الإدراك بمقام محفلٍ محلّيّ ودوره القياديّ في الجامعة مرتبطٌ بمدى تقدير المؤمنين لقدسيّة العمليّة الانتخابيّة وواجبهم للمشاركة فيها، في جوٍّ خالٍ تمامًا من لوث الدّعاية أو المواقف الشّائعة إزاء السّلطة.  ومع ازدياد الوعي في الجامعة بالمبادئ الرّوحانيّة الّتي تقوم عليها الانتخابات البهائيّة، يتشكّل مفهومٌ جديدٌ عمّا يعنيه أن يُدعى شخصٌ للخدمة في مؤسّسة بهائيّة، وينمو الفهم لكيفيّة ارتباط الفرد والجامعة والمحفل المحلّيّ ووكالاته ببعضها البعض.  فحيثما بُذلت جهودٌ منهجيّة لتحفيز المحادثات في الجامعة حول تشكيل المحفل المحلّيّ والغرض منه، وتمّت استدامة تلك المحادثات عامًا بعد عام، فإنّ قوّة الهيئة المُنتخبة وديناميكيّة حياة الجامعة يعزّز كلّ منهما الآخر. 

كان تأثير هذه العلاقة التّبادليّة ملحوظًا بشكلٍ خاصّ خلال العامين الماضيين في الأماكن الّتي وافقنا على اعتماد عمليّة انتخابيّة من مرحلتين لمحفل روحانيّ محلّيّ فيها، وهي مقاربة تعود أصولها إلى الهداية الّتي وجّهها حضرة عبد البهاء إلى المحفل الرّوحانيّ في طهران.  لقد شُرع العمل بانتخاب 22 محفلًا محلّيّا في ثمانية بلدان بهذه الطّريقة خلال هذه الفترة.  وهي طريقة مشابهة في كثير من النّواحي لانتخاب محفل روحانيّ مركزيّ وتنطوي على تقسيم المنطقة المحلّيّة إلى وحدات يتمّ انتخاب وكيلٍ واحد أو أكثر من كلّ منها، ومن ثمّ ينتخب الوكلاء أعضاء المحفل المحلّيّ.  ومع زيادة عدد البهائيّين المقيمين في منطقة محلّيّة وزيادة قدرة الجامعة على إدارة التّعقيد، تزداد الحاجة لإجراء عمليّة انتخابيّة من مرحلتين.  وتبعًا لذلك، نتوقّع في الخطّة القادمة اعتماد هذه الطّريقة لانتخاب محافل محلّيّة في أماكن أخرى عديدة، سواء كانت حضريّة أو ريفيّة، حيثما تكون الظّروف مواتية. 

يولي المحفل الرّوحانيّ المحلّيّ اهتمامًا كبيرًا بتعلّم أفضل السّبل للنّهوض بعمل بناء الجامعة ضمن نطاق إدارته، لذا فإنّه يتشاور بانتظام مع الأحبّاء المشاركين في تنسيق المساعي في المجموعة الجغرافيّة.  والمحفل يتابع عن كثب تطوّر مراكز النّشاط المكثّف في المنطقة المحلّيّة، خاصّة بتوفيره الدّعم لفرق المؤمنين الّتي ظهرت هناك والقائمة على تحفيز عمليّة النّموّ.  بشكلٍ عام، كلّما استلزم تكثيف النّشاط ترتيبات تنظيميّة أكثر في مستوى المنطقة المحلّيّة أو في أجزاء منها، على سبيل المثال، تنظيم حملات للزّيارات المنزليّة، أو مرافقة العائلات الّتي تعقد جلسات دعاء، أو تشجيعها على تشكيل مجموعات للعمل معًا، برز أكثر ذلك الدّور الّذي يمكن أن يضطلع به المحفل المحلّيّ في هذا الصّدد.  في المناطق المحلّيّة الّتي تشهد دخول أعداد كبيرة في رحاب النّشاطات البهائيّة، ويزداد تعقيد عمل المحفل وتتعدّد مسؤوليّاته، قد يجد المحفل أنّ سكرتيره بحاجة إلى دعمه بمكتب مزوّد بكادر من الموظفين، وفي النّهاية، تصبح الحاجة إلى حظيرة قدس محلّيّة لائقة أكثر إلحاحًا. 

عندما تبدأ المحافل المحلّيّة في تولّي نصيب أكبر وأكبر من مسؤوليّة رعاية تطوّر الجامعة، يجب أن تصبح المؤسّسات في المستويين الإقليميّ والمركزيّ أكثر منهجيّة في جهودها لدعم تلك المحافل.  أسعدتنا رؤية أنّ هذه الحاجة تمّت الاستجابة لها بطرق منهجيّة، على سبيل المثال عن طريق اجتماعات دوريّة تعقدها محافل مركزيّة أو مجالس إقليميّة مع سكرتيري المحافل المحلّيّة وغيرهم من أعضاء الهيئة الإداريّة للمشورة حول تكشّف خطوط عمل معيّنة. 

أينما تعزّزت قدرة المجلس الإقليميّ على الإدارة، بما في ذلك القدرة على توفير أنواع مناسبة من الدّعم للعديد من المجموعات الجغرافيّة في وقتٍ واحد، أدّى ذلك إلى تقدّم متسارع في الإقليم بأكمله.  أشارت رسالتنا إلى مؤتمركم لعام 2015 إلى أنّه في البلدان الصّغيرة الّتي لا يلزم تأسيس مجالس إقليميّة فيها، تستدعي الحاجة إلى ظهور هيكل رسميّ في المستوى المركزيّ يتولّى مساعدة المجموعات الجغرافيّة على التّقدّم.  نطلب منكم أن تتشاوروا الآن مع المحافل المركزيّة في البلدان الّتي لم يحدث فيها ذلك بعد، حول الخطوات الّتي يمكن اتّخاذها لتعيين هذا الهيكل الرّسميّ، أي تشكيل لجنة نموّ مركزيّة مكوّنة من ثلاثة أو خمسة أو سبعة أعضاء.  سيتعيّن على المحفل المركزيّ منح هذه الوكالة حرّيّة العمل اللّازمة لتعزيز حركة المجموعات الجغرافيّة، واستمداد البصائر ذات الصّلة ممّا تمّ تعلّمه عن المجالس الإقليميّة في هذا المجال.  يمكن أن تشمل مسؤوليّات هذه الوكالة تعيين لجان تبليغ المنطقة وتشجيعها في خططها، والتّرتيب لنشر المهاجرين المحلّيّين، ودعم مشاريع التّبليغ، وتوزيع المطبوعات الأساسيّة.  ستستفيد اللّجنة من قدرتها على التّعاون الوثيق مع المعهد التّدريبيّ، الّذي هو أيضًا وكالة تابعة للمحفل المركزيّ، ومع أعضاء هيئة المعاونين الّذين يخدمون البلد، وستكون قادرةً أيضًا على التّواصل مع المشاور المعنيّ.  وفي حين أنّ المحفل المركزيّ سيرغب بطبيعة الحال في البقاء ملمًّا بعمل اللّجنة وتزويدها بالإرشاد والدّعم والتّشجيع، فإنّ إيجاد كيان مشغول بالكامل بتعزيز النّموّ سيسمح للمحفل بإيلاء اهتمام أكبر لأمورٍ مهمّةٍ أخرى.  في البلدان الّتي لم يتمّ فيها تشكيل مجالس إقليميّة، ولكن يمكن تأسيسها في المستقبل، يجب الآن تعيين لجنة نموّ مركزيّة أيضًا. 

مع تدفّق الطّاقات الرّوحانيّة الّتي تمّ إطلاقها من خلال السّعي الجادّ لتحقيق أهداف الخطّة، فإنّها تواجه مقاومة من القوى المعاكسة الّتي تمنع البشريّة من تحقيق البلوغ الكامل.  في مواجهة مثل هذه القوى، يجب الحفاظ على حيويّة خطوط العمل المختلفة الّتي يتمّ اتّباعها وتقويتها في المستوى المحلّيّ.  هذه المسؤوليّة الخطيرة لها أهمّيّة خاصّة بالنّسبة لأعضاء هيئتيّ المعاونين، الّذين تبقيهم واجباتهم المتعدّدة والمتطلِّبة على اتّصال وثيق بالأوضاع في مستوى القاعدة، متنبّهين إلى أيّ شيء قد يؤثّر في روح الجامعة.  ينبغي عليهم أن يساعدوا الأحبّاء من مختلف الثّقافات والبيئات الاجتماعيّة، على مواجهة أنواع متباينة من التّحدّيات:  مساعدة المجموعات الّتي كانت في الماضي متخاصمة على إيجاد الوحدة من خلال السّعي لتحقيق هدف مشترك؛ تعلّم نبذ العادات والتّقاليد الموروثة الّتي تنتمي إلى بشريّة في مرحلة المراهقة، والتّغلّب على التّعصّبات بجميع أنواعها؛ تجنّب أيّ نزعة للنّظر إلى الأمور بارتياب أو بعين كاشفة للعيوب، وبدلًا من ذلك التّحلّي بنظرة إيجابيّة وبنّاءة؛ وضع مبدأ المساواة بين المرأة والرجل قيد التّطبيق؛ التّخلّص من الكسل واللّامبالاة من خلال الأخذ بالمبادرة الفرديّة؛ دعم الفرد لخطط العمل الجماعيّ وترجيحها على أفضليّاته الشّخصيّة؛ تسخير قوّة التّقنيّات الحديثة دون الخضوع لتأثيراتها الّتي قد تكون موهنة؛ تفضيل حلاوة تبليغ الأمر المبارك واللّذة في خدمة الجنس البشري على المصالح الدّنيويّة؛ رفض أفيون الاستهلاك؛ نبذ العقائد والنّظريّات المادّيّة ووجهات النّظر الدّنيويّة الّتي تروّج لها بقوّة، تركيز البصر على المنارة السّاطعة ألا وهي الأحكام والمبادئ الإلهيّة.  هذه، وغيرها كثير، تشكّل مجموعة هائلة من المسؤوليّات الّتي يتعيّن على جموع المؤمنين الإيفاء بها، وهم يجتازون ما سيكون بالتّأكيد سنوات مضطربة في حياة البشريّة.  ينبغي على معاونيكم الّذين أبلوا بلاءً حسنًا يستحقّ الثّناء في التّقدّم بعمليّة الدّخول في دين الله أفواجًا، أن يكونوا على قدر جميع هذه التّحدّيات أينما وحيثما برزت.  فمن خلال قوّة قدوتهم الحسنة ونصائحهم الطّيّبة، يساعدون الأحبّاء أن يزدادوا إيمانًا، واطمئنانًا، والتزامًا بحياة من الخدمة، ويرافقونهم لبناء جامعات تكون ملاذًا للسّلام، وأماكن حيث تجد إنسانيّة مرهقة تعاني من النّدوب الّتي خلّفتها الصّراعات مأوًى لها. 

خلال السّلسلة الأخيرة من الخطط، تجلّت قدرة الجامعة في الحفاظ على التّركيز على احتياجات الأمر المبارك الأكثر إلحاحًا كواحدة من أهم نقاط قوّتها.  ومع ذلك، فإنّ هذا الحسّ بالتّركيز يجب أن يستوعب العديد من مسارات العمل، والّتي يجب أن تتقدّم جميعها دون منافسة فيما بينها.  وهذا يستدعي رؤية متّسعة، وفهمًا دقيقًا لضرورات التّعايش معًا، وزيادة في المرونة، ومستوى أعلى من التّعاون المؤسّسي.  نحن نعي أنّ موارد الأمر المبارك محدودة، وأنّ الأفراد يواجهون العديد من الضّغوط على وقتهم.  ولكن مع تكشّف الخطّة في مكان معيّن وتضاعف عدد المُستعدّين للخدمة، فإنّ الجوانب المتنوّعة لحياة الجامعة البهائيّة الغنيّة والحيويّة ستتقدّم في خُطاها، وستبرز قوة الأمر المبارك في بناء المجتمع. 

مهمّة تاريخيّة

نأمل في أن نكون قد طبعنا على أذهانكم في هذه الصّفحات، أنّ قدرة الجامعة البهائيّة في يومنا هذا، متضافرة مع الانضباط الّذي حقّقته بفضل الالتزام بإطار عمل متّسق، قد أعدّتها لاختبارٍ شاملٍ وجادّ لجميع مواردها الرّوحانيّة والمادّيّة.  إنّ الخطّة الّتي ستبدأ قريبًا، أوّل مهمّة رئيسيّة في مشروع مقدّس مدّته خمسةٌ وعشرون عامًا يمتدّ في نطاقه وأهمّيّته من جيلٍ إلى آخر، ستستلزم من الفرد المؤمن والجامعة والمؤسّسات مطالب تعيد إلى الأذهان تلك المطالب الّتي وجّهها حضرة وليّ أمر الله إلى العالم البهائيّ مع انطلاقة خطّة العشر سنوات.  إذا نجح الأحبّاء، بفضل من الله العليّ القدير، في الوصول إلى ذُرى البطولة الّتي يُدعوْن إليها الآن أيضًا، فيقينًا أنّ التّاريخ سيُثني على أفعالهم بعبارات لا تقلّ إشراقًا عن تلك الّتي يُكرّم بها الأعمال المجيدة الّتي تزيّن صفحات تاريخ القرن الأوّل من عصر التّكوين. 

إنّنا نضع جُلّ اعتمادنا عليكم وعلى المحافل الرّوحانيّة المركزيّة لضمان الإبقاء على منظور تاريخيّ شامل أمام مرآكم في جميع الجهود المبذولة لتعريف الأحبّاء بطبيعة هذا المشروع الجماعيّ.  إنّ حضارة اليوم رغم كلّ قوّتها المادّيّة ناقصة، وصدر الحكم من القلم الأعلى: "أما علمتم إنّا طوينا ما عند النّاس وبسطنا بساطًا آخر؟"  إنّ تأسيس المدنيّة الإلهيّة، على حدّ تعبير حضرة وليّ أمر الله، "الغاية القصوى والمقصد الأسمى للدّين البهائيّ".  يجب أن تُبنى على أكثر الصّفات جوهريّة، وهي صفات يحتاج إليها العالم حاجة ماسّة: الوحدة، الأمانة، الدّعم المتبادل، التّعاون، روح الأخوّة، نكران الذّات، التّمسّك بالحقيقة، حسّ المسؤوليّة، العطش للتّعلّم، ومحبّة قلبيّة للعموم. 

كم نتوق إلى رؤية بشريّة مستنيرة بنور محبّة بارئها؛ كم نتوق لسماع حمده وثنائه يتردّد على كلّ لسان.  أنتم تدركون حرارة رجائنا، وتعرفون إذن الإحساس الّذي يخالجنا عندما نضع جباهنا على العتبة المقدّسة العُليا، ونتوسّل إلى حضرة بهاء الله أن يجعلكم، وكلّ من يعتزّ بأمره الغالي، قنوات أكثر كمالًا من أيّ وقتٍ مضى لنعمه وألطافه العميمة. 

[التّوقيع:  بيت العدل الأعظم]