[ترجمة]
9 تشرين الأوّل/أكتوبر 2015
إلى المحفل الرّوحانيّ المركزيّ
الأحبّاء الأعزّاء،
لقد استلم بيت العدل الأعظم الرّسالة المؤرّخة 24 كانون الأوّل/ديسمبر 2014 من السّيّد [...] والسّيّد [...] والسّيّد [...]، والّتي أُرسِل نسخة منها إليكم، يطلبون فيها الهداية بخصوص مبادرتهم (المدوّنة البهائيّة). كما ستلاحظون في الرّسالة المؤرّخة بتاريخ اليوم والمكتوبة لهؤلاء الأحبّاء نيابة عن بيت العدل الأعظم، طُلب منهم التّوجّه لمحفلكم لغرض الهداية حول مشروعهم. بهذا الصّدد تمّ توجيهنا بمشاركتكم بعض الاعتبارات الّتي يجب مراعاتها عند دعمكم لهؤلاء المؤمنين ومشورتكم معهم إضافة إلى الآخرين المنخرطين بمساعٍ مشابهة.
كما تعلمون، إنّ التّقدّم التّكنولوجيّ هو أساسيّ لانبثاق المدنيّة العالميّة. وبالطّبع، الإنترنت هو مظهر التّطوّر الّذي توقّعه حضرة وليّ أمر الله عندما كان يصف ميّزات الإنسانيّة الموحَّدة، فقد تنبّأ بـ "آليّة للاتّصالات الدّوليّة تحتضن الكرة الأرضيّة بأسرها وتكون متحرّرة من العوائق والقيود القُطريّة وتقوم بوظائفها بسرعة مدهشة وبانتظام كامل." ومع هذا فإنّ تعلّم تسخير الإنترنت بأسلوب ينسجم مع التّقدّم المادّيّ والرّوحانيّ هو تحدٍّ هائل.
يحقّق الإنترنت إمكانيّة وصول المحتوى البهائيّ والمستوحى من البهائيّة لجمهور واسع. ولهذا يشجّع بيت العدل الأعظم تقوية التّواجد البهائيّ بصورة رسميّة على الشّبكة العنكبوتيّة العالميّة، ولقد سُـرَّ عند رؤية التّقدّم الحاصل، خاصّة في السّنين الأخيرة، ويتطلّع لمزيد من التّكشّف لهذه العمليّة. والأبعد من ذلك، العديد من المؤمنين حول العالم، كلّ حسب ظروفه وباتّساقٍ مع المساعي الأخرى للجامعة، يستخدمون الإنترنت كوسط لترويج رؤية حضرة بهاء الله لنظام عالميّ جديد، ومن الطّبيعيّ للأحبّاء استكشاف الطّرق المختلفة للقيام بذلك. على الرّغم من ذلك، لكون الإنترنت يسمح بالانتشار الآنيّ للمحتوى بين أعداد متزايدة من النّاس، من الواجب أخذ الحكمة وضبط النّفس خشية التّقليل من أهمّيّة ومنزلة التّعاليم بعرضها بشكل غير لائق وغير دقيق وبطريقة مبتذلة.
من الأمور الّتي يجب مراعاتها هي أنّ مؤسّسات الأمر يقع على عاتقها إنشاء وإدارة المصادر الرّسميّة للمعلومات حول الدّين، كالمواقع العالميّة والدّوليّة، والتّقييم المنتظم لطريقة عرض الأمر على الشّبكة العنكبوتيّة العالميّة وتوفير الهداية اللّازمة للأفراد. الأحبّاء بصورة عامّة لهم حرية اختيار جوانب التّعاليم الّتي يرغبون التّطرّق إليها في مساهماتهم ولكن عند القيام بذلك يجب عليهم تمييز مواقعهم بشكل واضح عن المواقع الرّسميّة المعدّة من قِبل المؤسّسات. ويمكن تحقيق ذلك بوسائل مختلفة كالاسم والوصف وتصميم الموقع. مع أنّ في الماضي كان يُشَجّع الأحبّاء على الابتعاد عن استخدام كلمة "بهائيّ" أو أحد أشكالها في أسماء مواقعهم، إلّا أنّ التّجربة قد بيّنت أنّ هذا لن يكون ضروريًّا دائمًا إذا ما بيّنت الجوانب الأخرى للموقع بشكل غير قابل للشّكّ أنّه مبادرة فرديّة. بالإضافة لهذا، سيرغب الأفراد بدون شكّ الابتعاد عن النّبرة الّتي يمكن فهمها بأنّها ذات سلطة أو توجيهيّة. وسيرغبون أيضًا في الابتعاد عن المواضيع الّتي تقع حصرًا ضمن مسؤوليّات المؤسّسة، مثل عرض مجموعة شاملة للآثار الكتابيّة أو رسائل بيت العدل الأعظم أو تقويم مفصّل للأحداث البهائيّة عبر العديد من الدّول. ستبرز أهمّيّة ذلك خصوصًا عندما تزداد مشاهدات الموقع ويكتسب شهرة. وبينما توجّه المؤسّسات الأحبّاء على اعتماد وضعيّة سليمة، ليكن بالبال أنّ الهدف ليس التّقييد المفرط لجهودهم بل للابتعاد عن الالتباس والمعلومات الخاطئة.
على الرّغم من أنّ الموقع يمكن دخوله من أيّ بقعة في العالم، يجب على البهائيّ الّذي يرغب بإنشاء موقعه الخاصّ أن يحدّد من هو الجمهور المناسب الّذي سيخاطبه ومدى المواضيع الّذي سيقوم بتغطيتها. على سبيل المثال، بينما سيكون من المفيد ربّما أن يناقش طبيعة وشكل النّشاطات الأساسيّة، خاصّة في سياق تجربة المجموعة الجغرافيّة أو المنطقة، إلّا أنّ مشاكل معيّنة تظهر عند محاولة إنشاء موقع يهدف لمخاطبة البهائيّين حول العالم بهذا الخصوص. هكذا أسلوب سيؤدّي لنشر المعايير والقيم الثّقافيّة لفئة معيّنة من النّاس على صعيد عالميّ–وهو نمط سائد بكثرة في العالم اليوم. وهناك أيضًا خطر ممارسة تأثير غير متعمّد على عمليّة التّعلّم الّتي تتكشّف على مستوى القاعدة، حيث الأفراد والجامعات والمؤسّسات هم أنصار نموّهم وتطوّرهم الشّخصيّ. إنّ المنظور المقدّم في المقتطف التّالي من رسالة بيت العدل الأعظم المؤرّخة 12 كانون الأوّل/ديسمبر 2011 لكلّ المحافل المركزيّة، بالرّغم من أنّها في السّياق الخاصّ بالمساعي الفنّيّة والوسائل التّوضيحيّة للتّعليم، هي مشابهة بصورة خاصّة لأوجه الثّقافة المذكورة أعلاه:
يمكن مشاهدة شعوب الأرض، مدفوعةً بالقوى المتولّدة داخل الجامعة البهائيّة وخارجها وكأنّها تتحرّك من اتّجاهات مختلفة، تدنو من بعضها البعض أكثر فأكثر، باتّجاه ما سيكون حضارةً عالميّة، عظيمةً في خصائصها بحيث نقف عاجزين حتّى عن محاولة تخيّلها اليوم. فعندما تتسارع حركة السّكّان المركزيّة الجابذة [أي المندفعة نحو المركز] هذه في جميع أنحاء العالم، ستندثر تدريجيًّا بعض العناصر الّتي لا تتوافق مع تعاليم أمر الله في كلّ ثقافة، بينما تتعزّز أخرى. وعلى نفس المنوال، ستتطوّر عناصر جديدة للثّقافة بمرور الوقت عندما يُظهر النّاس القادمين من كلّ مجموعة بشريّة، مُلهَمين من ظهور حضرة بهاء الله، أنماطًا من الفكر والعمل نابعةً من تعاليمه، وإلى حدٍّ ما عن طريق الأعمال الفنّيّة والأدبيّة. آخذين هذه الاعتبارات في الحسبان فإنّنا نرحّب بقرار معهد روحي المتعلّق بصياغة مقرّراته التّعليميّة، بأن يترك للأحبّاء معالجة المواضيع المتعلّقة بالنّشاط الفنّيّ محلّيًّا. إذن ما نطلبه في هذه المرحلة الّتي ينبغي أن تُستثمر فيها الطّاقات في مجال توسيع نطاق صفوف الأطفال ومجموعات الشّباب النّاشئ، هو السّماح بأن تتكاثر المواد التّكميليّة لهذا الغرض بشكلٍ طبيعيّ، نتيجةً لاستجماع عمليّة بناء المجتمع زخمًا في القرى والأحياء. فعلى سبيل المثال، نتوق لرؤية ظهور أغانٍ جذّابة من جميع بقاع العالم، وبكلّ اللّغات، بحيث تطبع في أذهان الصّغار المفاهيم العميقة الّتي تزخر بها التّعاليم البهائيّة. إلّا أنّ بروز مثل هذه الأفكار الخلّاقة لن يتحقّق إذا وقع الأحبّاء، دون قصد، في الأنماط السّائدة في العالم الّتي تجيز لمن يتمتّعون بالموارد الماليّة فرض منظورهم الثّقافيّ على الآخرين، بإغراقهم بالموادّ والمنتجات الّتي يُروَّج لها بشكلٍ جائرٍ.
المبدأ الشّموليّ الّذي يجب أن يوجّه جهود الأحبّاء في مخاطباتهم على الإنترنت ينطبق على استخدام اللّغة. يشير حضرة بهاء الله إلى البيان على أنّه "جوهرٌ يطلبُ النّفوذ والاعتدال" ويأمر اتباعه بـ "أن يبتدئ بكلمة تكون لها خاصّية اللّبن حتّى يتربّى بها أطفال الدّهر ويفوزوا بالغاية القصوى من الوجود الإنسانيّ الّتي هي مقام النّبل والإدراك". أشار بيت العدل الأعظم برسالته المؤرّخة 29 كانون الأوّل/ديسمبر 1988 إلى البهائيّين في الولايات المتّحدة الأمريكيّة بأنّ: "الحديث هو ظاهرة جبّارة. الحرّية المنوطة به تستحقّ تمجيدها ومخافتها في آنٍ معًا. وهو يستدعي مقدارًا كبيرًا من الحكمة، لكون اختصار الحديث أو الإفراط فيه من الممكن أن يؤدّي لعواقب وخيمة". بإدراك ذلك، على البهائيّين تجسيد الاعتدال واللّطافة والتّواضع في أيّ نقاش يخوضون غماره سواء بصورة شخصيّة أو على الإنترنت. عليهم أن يميّزوا ويسموا عن العادات السّلبيّة في التّفكير والتّعبير المأخوذة من المجتمع، بدون وعي غالبًا، وأن يأخذوا الحيطة خشية اكتسابهم لنزعة اختصار الدّين أو سير الخطّة الإلهيّة بمجموعة نقاط أو خطوات مبسّطة أو توجيهيّة، يتمّ إيصالها غالبًا بنبرة غير مبرّرة وتسلّطيّة وغير موقّرة، أو يفترض التّحدّث بصوت يبدو مصبوغًا بصفة الرّسميّة أكثر ممّا هو عليه في أيّ وقت مضى. بهذا الخصوص، سيحتاج أولئك الّذين يديرون المواقع المختلفة أن يتفكّروا بمواقفهم الشّخصيّة الّتي قد تنتقل ضمنيًّا عبر المحتوى وطريقة التّعبير. في السّعي لنيل هذا المقدار من الوعي العالي، بعض التّساؤلات الّتي يمكن تناولها قد تشتمل على سبيل المثال: كيف يمكنهم الابتعاد عن تبنّي البدع الرّائجة على الإنترنت الّتي قد تقلّل من غايتهم المنشودة؟ هل نوع الفكاهة المستخدمة ملائم؟ كيف سيتمّ فهم المحتوى من قبل شخص غير مطّلع على الدّين؟ على الأحبّاء، أثناء طموحهم في الوصول للمعايير البهائيّة، السّعي في التّرفّع عن، بدلًا من محاكاة، أساليب الإقناع والإثارة المسخّرة بكثرة والّتي غالبًا ما تكون مختزلة أو عارية عن الدّقّة، وأن يكونوا على وعي دائم أنّهم يطمحون الوصول لـ "نوع من آداب التّعبير جديرًا بالنّضج الحاصل في الجنس البشريّ."
بينما يثني بيت العدل الأعظم على الدّور المهمّ الّذي لعبته المنظّمات المستوحاة من البهائيّة في مجال التّقدّم الاجتماعيّ والاقتصاديّ، إلّا أنّ تقديم نوع من هيكليّة الشّركة بالخصوص ذات موارد ماليّة معتبرة في سبيل دعم أوجه من النّشاط الّذي يقع ضمن الاختصاص المباشر للمؤسّسات الأمريّة، مثل التّبليغ وبناء الجامعة، يولّد تعقيدات زائدة. عليكم أن تكونوا محتاطين لما قد يولّده هذا النّوع من الدّعم من تعظيم للعديد من القضايا المشار إليها في هذه الرّسالة.
من الواضح أنّ [...] و [...] يرغبان أن يصِفّوا جهودهم بالأكمل مع احتياجات الأمر وهدايات المؤسّسات. يأمل بيت العدل الأعظم أن تساعدكم المفاهيم الّتي نوقشت أعلاه على الانخراط في محادثات مستمرّة وبنّاءة مع هؤلاء الأحبّاء حول مبادرتهم وإمدادهم، مع أيّ من الآخرين الّذين شرعوا بمشاريع مشابهة، بالنّصيحة والدّعم حول الرّؤية لأمور تتّضح بالتّدريج وضمان تحسين مساعيهم مع الوقت وتمييز ميادين النّشاطات الملائمة للأفراد والمؤسّسات. كونوا على ثقة من دعوات بيت العدل الأعظم في العتبات المقدّسة ليبارك الجمال الأبهى مساعيكم في هداية ومساعدة الأحبّاء في بلادكم.
مع التّحيّات الحبّيّة البهائيّة
دائرة السّكرتارية