[ترجمة]

 

9 كانون الثّاني/يناير 2001

إلى مؤتمر هيئات المشاورين القارّيّة

الأحبّاء الأعزّاء،

قبل خمس سنواتٍ، دَعَوْنا مجموعة المشاورين المجتمعين في الأرض الأقدس إلى مساعدة العالم البهائيّ على فهم تحدّيات النّموّ المنهجيّ المنظّم وتحمّل مسؤوليّاته.  إنّ إنجازات مشروع السّنوات الأربع الباهرة لهي شاهدٌ على استجابتهم القلبيّة الخالصة.  واليوم نطلب منكم جهدًا عظيمًا مماثلًا، وفي هذه الوقت بالذّات، من أجل ضمان انطلاقة ناجحة لخطّة السّنوات الخمس. 

  وفي مداولاتكم حول طبيعة هذه المرحلة التّالية في الكشف عن الخطّة الإلهيّة، عليكم أن تأخذوا بالحسبان عِظَم التّغيّرات الّتي تأخذ مجراها في مُقدّرات الأمر المبارك.  فارتفاع الصّروح العظيمة القائمة الآن على القوس في المركز العالميّ يمثّل خطوةً رئيسةً في تقوية أركان النّظام الإداريّ إلهيّ التّعيين، وخطّة السّنوات الأربع قد شهدت زيادةً ملحوظةً في القدرة المؤسّسيّة للجامعات البهائيّة في كافّة القارّات.  وتطوّر المحافل الرّوحانيّة المركزيّة والمحلّيّة قد تسارع بشكلٍ مشهود، وأضفت المجالس الإقليميّة، حيثما تأسّست، قوّةً جديدةً وتأثيرًا فاعلًا للأمر المبارك في تأدية مهامّه.  وبتأسيس وتطوّر ما يزيد عن (300) معهدٍ تدريبيٍّ، يمتلك الأمر المبارك الآن أداةً قويّةً لتطوير الموارد البشريّة اللّازمة لدعم عمليّات التّوسّع والتّمكين واسعة النّطاق والمحافظة عليها.  علاوة على ذلك، فإنّ قدرة الجامعة البهائيّة على التّأثير في مجريات الشّؤون الإنسانيّة من خلال تعاملها مع الحكومات ومنظّمات المجتمع المدنيّ، ومن خلال مجهوداتها في التّطوير الاجتماعيّ والاقتصاديّ قد تعزّزت بشكلٍ كبير.  إنّ دين حضرة بهاء الله يقف على عتبة مرحلةٍ جديدةٍ، في لحظةٍ من التّاريخ يخطو فيها العالم خطوات فعليّة واسعة نحو السّلام رغم ما يعانيه من فوضى وتفجّر عداوات جديدة.  والمرء لا يمكنه إلّا أن يشهد بوضوح ذلك التّجاوب المتزايد مع روح حضرته النّافذة الباهرة.

 

  إنّ تقدّم عمليّة الدّخول في دين الله أفواجًا ستستمرّ لتكون هدفًا لخطّة السّنوات الخمس، إنّها هدفٌ في الحقيقة لسلسلةٍ من المشاريع ستقود الجامعة إلى نهاية القرن الأوّل من عصر التّكوين، وسيتحقّق تسارع هذه العمليّة الحيويّة بفضل النّشاط المنهجيّ المنظّم من جانب المشاركين الثّلاثة في الخطّة وهم:  الفرد، والمؤسّسات، والجامعة. 

 

 

المعهـد التّدريبـيّ

  أظهر تحليلٌ دقيقٌ لخطّة السّنوات الأربع، أعدّته لنا مؤخرًا دار التّبليغ العالميّة فعاليّة المعهد التّدريبيّ في تعزيز قدرات الفرد، وفي بعث الحيويّة والنّشاط في الجامعات والمؤسّسات.  وعليه، فإنّ التّطوير المستمرّ للمعاهد التّدريبيّة في أقطار العالم وأقاليمه المختلفة يجب أن يكون مظهرًا أساسيًّا للخطّة الجديد. 

  واعتمادًا على الخبرات الغنيّة المتراكمة الآن، في مجال السّعي هذا، على المعاهد أن تزوّد جامعاتها بسيلٍ مستمرّ من الموارد البشريّة لخدمة عمليّة الدّخول في دين الله أفواجًا.  إنّ وضع عناصر نظامٍ يستطيع تلبية احتياجات التّدريب لأعداد كبيرة من المؤمنين قد جُرّبت عالميًّا وأثبتت نجاعتها.  والحلقات الدّراسيّة الّتي تدعّمت بواسطة دوراتٍ فرعية وحملات خاصّة قد أظهرت مقدرتها في دعم بُنية عمليّة التّربية الرّوحانيّة للأفراد في مستوى القاعدة.  إنّ القيمة الكامنة في سلسلة من الدّورات المتتالية تتّبع كلّ منها الأخرى وفق نهجٍ منطقيّ، وتَبْني كلّ واحدة عملها على ما أنجزته سابقاتها، قد أصبحت في غاية الوضوح.  ونماذج وأمثلة مختلفة آخذة في البروز تمدّنا بالرّؤية في كيفيّة استخدام مثل هذه السّلسلة المتعاقبة لإيجاد برامج تدريبيّة.  ففي أحد الأمثلة نجد السّلسلة الرّئيسة، والّتي هي أشبه ما تكون بجذع شجرة، تدعم الدّورات التي تتفرّع عنها، وكلّ فرع يُخصّص لمجالٍ مُعيّن من التّدريب.  وفي مثالٍ آخر، هناك مساقات مختلفة للدّورات تسير معًا، ولكلّ منها هدف خاص يتمّ التّركيز عليه.  وتُحسن المعاهد عملًا إن هي درست هذه العناصر والأساليب ووظّفتها بأسلوبٍ يستغلّ الفرص المُتاحة أمامها. 

  لقد أكّدنا في مستهلّ خطّة الاثني عشر شهرًا على الحاجة إلى تنشئة الأطفال البهائيّين تنشئة روحانيّة، ودمجهم في حياة الأمر المُبارك.  فكلّ المؤشرات، المستقاة من استجابة الأحبّاء لغاية الآن، تدلّ على أنّ زيادة الوعي بأهميّة تربية الطّفل ستكون حقًّا السِّمة المُميّزة لهذه الخطّة الهامّة على قِصَرِها.  إنّ صفوف الأطفال البهائيّين قد أُعطيت زخمًا جديدًا، وتزايُد الوعي أيضًا قد أظهر فُرَصًا لتقديم التّربية الأخلاقيّة والرّوحانيّة للأطفال بشكلٍ عام، كما تمثّل ذلك في نجاح الجهود الّتي بُذلت لتقديم دورات عن الدّين البهائيّ في برامج المدارس الرّسميّة. 

  إن قيام المعاهد بالتّركيز المُتزايد على تدريب معلّمي صفوف الأطفال لهو علامة مشجّعة بشكلٍ خاصّ، ولا تقلّ الإجراءات الأخرى عنه أهميّة إن نحن أردنا توفير الصّفوف المنتظمة لمختلف الأعمار في الجامعات البهائيّة في أنحاء العالم.  وفي بعض البلدان تمّ تأسيس اللّجان المركزيّة والإقليميّة لمساعدة المحافل الرّوحانيّة المحلّيّة على النّهوض بمسؤوليّاتها تجاه تربية الأطفال وتعليمهم.  وفي هذه البلدان فإنّ العلاقة ما بين اللّجان والمعهد التّدريبيّ ستنشأ وتتطوّر باضطراد عند اكتساب الخبرات، فكلّ مؤسّسة تُعزز عمل الأخرى.  إلّا أنّ هناك العديد من البلدان الّتي يكون فيها المعهد هو البُنية الوحيدة القائمة على تطوير القدرة لتنظيم الدّورات والمحافظة عليها في الجاليات المحلّيّة الواحدة تلو الأخرى.  وبينما يعمل هذا الأسلوب بشكلٍ جيّد مع الشّباب والبالغين، وبشكلٍ متزايد مع الشّباب النّاشئ، فليس هناك مبرّر لعدم قيام المعهد أيضًا بتحمّل مسؤوليّات مماثلة تتعلّق بالأطفال حيثما دعت الحاجة.  إنّ القاعدة العامّة تقضي بأن لا تضطلع المعاهد بمسؤوليّة إدارة خطط وبرامج التّوسّع والتّمكين،إلّا أنّ إدارة صفوف الأطفال هو مشروع فريد من نوعه وله ضرورته الخاصّة.  وفي تلك البلدان الّتي يناط بها هذا الواجب بالمعهد فإنّه يصبح مركزًا للتّعلّم وينهمك بشكل مكثّف في التّربية الرّوحانيّة للأحبّاء منذ نعومة أظفارهم وحتّى سنّ البلوغ. 

 

المبادرة الفرديّة في التّبليغ

ومع تنامي عمل المعاهد قوّةً، يجب إيلاء الاهتمام الآن إلى القيام بالجهود التّبليغيّة بأسلوب منهجيّ منظّم في كلّ مكان.  ففي وثيقة "مؤسّسة المشاورين" الّتي صدرت للتّوّ، أكّدنا على الدّور الّذي يقوم به أعضاء هيئات المعاونين ومساعدوهم في مدّ يد العون للأحبّاء في مواجهة هذا التّحدي، سواء على مستوى المبادرة الفرديّة أو الإرادة الجماعيّة.  وبينما يتقدّم الأفراد من خلال دورات المعهد، فإنّهم بذلك يعمّقون معرفتهم بالأمر المبارك، فتتنوّر بصائرهم، ويكتسبون المهارات اللّازمة للخدمة.  وممّا لا شكّ فيه، فإنّ بعض الدّورات المخصّصة للتّبليغ سوف تعالج الموضوع بشكلٍ عام، وأخرى ستركّز الاهتمام على وسائل متنوّعة لمشاركة شرائح معيّنة من المجتمع برسالة حضرة بهاء الله، متضمّنة الحكمة الّتي اكتُسبت من إقدامات الأحبّاء في ميدان التّبليغ.  وهذه العمليّة المشتركة من العمل والتّعلّم والتّدريب سوف تهب الجامعات البهائيّة عددًا متزايدًا باستمرار من مبلّغي أمر الله الأكفّاء التوّاقين للخدمة. 

إلّا أنّ التّدريب وحده دون شكّ لا يؤدّي بالضّرورة إلى طفرة في النّشاط التّبليغيّ.  ففي كافّة مجالات الخدمة يحتاج الأحبّاء إلى تشجيعٍ مستمرّ.  نتطلّع إلى أن يقوم أعضاء هيئة المعاونين ومساعدوهم بإيلاء عناية خاصّة إلى كيفيّة تنمية المبادرة الفرديّة، خاصّة فيما يتعلّق بالتّبليغ.  فعندما يكون التّدريب والتّشجيع مؤثّريْن، تزدهر ثقافة النّموّ فيدرك الأحبّاء أنّ من واجبهم القيام بالتّبليغ كنتيجة طبيعيّة لإيمانهم بحضرة بهاء اللّه.  ’فيرفعون عاليًا شعلة الإيمان المقدّسة‘، كما تمنّى حضرة عبد البهاء، ’فيعملون بلا انقطاع ليلًا ونهارًا ويكرّسون كلّ دقيقة عابرة من حياتهم من أجل نشر النّفحات الإلهيّة وارتفاع كلمة اللّه المقدّسة.‘  فتشتعل أفئدتهم بمحبّة اللّه لدرجة أنّ كلّ من يقربهم يحسّ بدفئها.  ويسعون ليكونوا قنوات الرّوح، أنقياء القلوب، ناكري الذّات ومتواضعين، ويملكون اليقين والإقدام النّابعيْن من التّوكّل على اللّه.  ففي ثقافة كهذه يكون التّبليغ الهوى والعشق المهيمن في حياة الأحبّاء.  ولا يجد الخوف من الفشل سبيلًا إليهم.  فيكون الدّعم المتبادل والالتزام بالتّعلّم وتقدير حقيقة تنوّع أشكال العمل هي الأعراف السّائدة بينهم. 

 

 

البرامج المنهجيّة المنظّمة للنّموّ

  في الأشهر القادمة، ستمدّون يد العون لجامعات مركزيّة، فيها اختلاف الظّروف كبيرٌ، من أجل وضع خطط لنموّ منهجيّ منظّم.  هنالك العديد من البلدان تتمتّع بقدرة مؤسّسيّة متزايدة على مستوى الإقليم بشكلٍ خاصّ، بحيث تجعل من الممكن تركيز الاهتمام على مناطق جغرافيّة أصغر.  ستتكوّن معظم هذه المناطق من مجموعة من القرى والمدن،إلّا أنّه يمكن لمدينة كبيرة وضواحيها أن تشكّل منطقة من هذا النّوع في بعض الأحيان.  ومن ضمن العوامل الّتي تحدّد تخوم مجموعة القرى والمدن:  الثّقافة، واللّغة، ووسائل المواصلات، والبُنى التّحتيّة، والحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة للسّكّان.  ستقع المناطق التي يُقسم إليها الإقليم ضمن فئات التّطوير المختلفة.  فبعضها قد تكون بكرًا لم يدخلها الأمر المبارك بعد، بينما أخرى تضمّ بعض المراكز المنفردة أو الجماعيّة؛ وفي بعضها، جامعات قائمة تسعى لاكتساب القدرة من خلال عمليّات المعهد النّشطة؛ وفي البعض الآخر، جامعات قويّة من المؤمنين المتعمّقين يمكنها الاضطلاع بتحدّيات التّوسّع والتّمكين اللّذين يجريان بتسارع وبأسلوبٍ منهجيٍّ منظّم. 

  وحالما يتمّ تحديد الفئات المناسبة، فإنّ الخطط المركزيّة في هذه الأقطار بحاجة لوضع بنود تتعلّق بالقيام بفتوحات مستمرّة للمناطق البكر من خلال استقرار مهاجرين محلّيّين.  ويمكن تحقيق مثل هذه الأهداف بسهولة نسبيًّا متى توفّرت لدى المهاجرين خبرة في برامج المعهد وقدرة لاستخدام أساليبها وموادّها في إيجاد مجموعة من المؤمنين المخلصين القادرين على دفع أعمال الأمر المبارك قدمًا نحو الأمام.  حقًّا إنّه شرفٌ عظيم سيكون من نصيب أولئك الّذين يقومون، خلال السّنوات الباقية من القرن الأوّل لعصر التّكوين، متوكّلين على الله فينهضون بحماس متّقد ليكونوا في طليعة حاملي شعلة الهداية الإلهيّة إلى كافّة أرجاء بلدانهم.  نأمل أن يولّد نداء المهاجرين المحلّيّين هذا حماسًا منقطع النّظير بين صفوف الأحبّاء ويفتح أمام أنظارهم آفاقًا جديدة من الإمكانات لخدمة الأمر المبارك. 

  وطبقًا لهذا المخطّط، فإنّ المشاريع المركزيّة أيضًا يلزمها أن تتضمّن بنودًا لتقوية مناطق أخرى دخلها الأمر المبارك ولكنّها لم تصل بعد إلى ذلك المستوى من التّطوير الّذي يهيّئها للقيام بفعاليّات مكثّفة.  وفي تلك المناطق حيث تتواجد جامعات قويّة تضمّ جحافل من الأحبّاء المتعمّقين، يجب على الفور تأسيس برامج لتوسّع الأمر المبارك وتمكينه بأسلوبٍ منهجيّ منظّم.  لقد أشرنا سابقًا إلى أنّ دار التّبليغ العالميّة قد حدّدت أنماطًا معيّنة للنّموّ تناسب المناطق ذات المساحة الجغرافيّة الصّغيرة نسبيًّا.  ومنذئذٍ قامت بتحليل عدّة مشاريع رائدة في مختلف أرجاء العالم، فجاءت النّتائج مشجّعة للغاية.  إنّ الدّروس المستقاة توفّر الآن مجموعة من الخبرات المكتسبة لتأسيس مشاريع للنّموّ المنهجيّ المنظّم في منطقة تلو الأخرى.  وبينما تتشاورون في هذا الموضوع مع المحافل الرّوحانيّة المركزيّة والمجالس الإقليميّة، عليكم إطلاع دار التّبليغ العالميّة على مجريات الأمور. 

  من المهمّ أن لا تندفع الجامعات المركزيّة نحو تأسيس مشاريع مكثّفة في منطقة ما قبل أن تكون الظّروف مواتية.  وهذه الظّروف تشمل:  درجة عالية من الحماس بين مجموعة كبيرة من الأحبّاء المخلصين من ذوي الإمكانات، الواعين بالمتطلّبات الأساسيّة للنّمو المستدام، الّذين يمكنهم أخذ المشروع على عاتقهم؛ وشيء من الخبرة الأساسيّة من جانب بعض الجامعات في مجموعة القرى والمدن في مجال عقد صفوف التّربية الرّوحانيّة للأطفال، وجلسات الدّعاء، ومجالس الضّيافة التّسع عشريّة؛ وتوفّر درجة معقولة من القدرة الإداريّة لدى بعض المحافل الرّوحانيّة المحلّيّة على الأقل؛ والمشاركة الفاعلة لعدد من مساعدي أعضاء هيئة المعاونين في مجال تعزيز الحياة البهائيّة للجامعة؛ وروح من التّعاون الصّريح بين مختلف المؤسّسات العاملة في المنطقة؛ وفوق ذلك كلّه، حضور قويّ للمعهد التّدريبيّ يرافقه مخطّط تنسيقٍ يدعم الازدياد المنهجيّ المنظّم للحلقات الدّراسيّة. 

  إنّ البرامج الّتي انطلقت في مثل هذه المناطق يجب أن تهدف إلى رعاية نموّ مستدام من خلال بناء القدرة اللّازمة بمستوى الفرد، والمؤسّسات، والجامعة.  وبدل طلب خطط تتّسم بالتّكلف والتّفصيل، يجب أن تركّز هذه البرامج على بعض الإجراءات الّتي أثبتت عبر السّنوات أنّه لا غنىً عنها لعمليّات التّوسّع والتّمكين واسعة النّطاق.  سوف يعتمد النّجاح على الطّريقة الّتي تتكامل فيها محاور العمل وعلى اتّجاه التّعلّم الّذي تمّ تبنّيه.  إنّ تنفيذ مثل هذا البرنامج سوف يحتاج إلى تعاون وثيق بين المعهد، وأعضاء هيئة المعاونين ومساعديهم، ولجان التّبليغ في المناطق. 

  وفي صلب البرنامج يجب أن تكون هناك عمليّة توسّع مستمرّة تقابلها عمليّة تماثلها في القوّة لتطوير الموارد البشريّة.  هناك حاجة للقيام بسلسلة من جهود التّبليغ، تتضمّن فعاليّات يقوم بها الأفراد إلى جانب حملات تروّج لها المؤسّسات.  وبينما يزداد عدد المؤمنين في المنطقة، يجب أن تتلقّى نسبة كبيرة منهم التّدريب من قِبَل المعهد، وأن توجّه إمكاناتهم نحو تطوير الجامعات المحلّيّة. 

  لقد أشارت رسالتنا المؤرخة 26 كانون الأوّل/ديسمبر 1995 الّتي رسمت معالم مشروع السّنوات الأربع إلى المراحل الّتي تمرّ بها الجامعة في تطوّرها.  إنّ الخبرة الّتي تمّ اكتسابها في السّنوات اللّاحقة من العمل مع الجامعات في مختلف المراحل سوف تثبت جدواها لبرامج النّموّ.  وقد تكون إحدى أوائل خطوات تطبيق البرنامج إجراء دراسةٍ مَسْحِيَّة للوقوف على وضع كلّ مركز أمريّ في المنطقة.  ويجب أن تتضمّن الأهداف الأساسيّة لكلّ جامعة تأسيس حلقات دراسيّة، وصفوف دراسيّة للأطفال، ومجالس دعاء، تفتح أبوابها أمام كافّة سكّان المنطقة.  إن انعقاد مجلس الضّيافة التّسع عشريّة يجب أن يولى ما يستحقّه من أهمّية، كما يجب بذل مساعٍ مستمرّة لتقوية المحافل الرّوحانيّة المحلّيّة.  وعندما تصبح الجامعات قادرة على مواصلة القيام بالفعاليات الأساسيّة للحياة البهائيّة، تكون الطّريق الطّبيعيّة نحو زيادة تقويتها إدخال مشاريع صغيرة للتّطوير الاجتماعيّ والاقتصادي، ومنها على سبيل المثال:  مشروع لمحو الأمّيّة، مشروع لتطوير المرأة أو حماية البيئة، أو حتى تأسيس مدرسة قرويّة.  وعندما يقوى عضدها، تؤول مسؤوليّة زيادة محاور العمل  إلى المحافل الرّوحانية المحلّيّة.

  وأثناء بذل المساعي، يجب عقد اجتماعات دوريّة في المنطقة بقصد المشورة وتقييم الأوضاع، وإدخال التّعديلات، والحفاظ على جذوة الحماس ووحدة الفكر.  وأفضل طريقة لذلك هي وضع خطط لبضع شهور كلّ مرّة، تبدأ بمحور أو اثنين من محاور العمل ثم تزداد تعقيدًا بالتّدريج.  يجب تشجيع أولئك القائمين على تنفيذ الخطط على المشاركة الفاعلة في المشاورات أكانوا أعضاء في المؤسّسات أم لا.  وقد تكون هناك حاجة لعقد اجتماعات موسّعة أخرى على نطاق المنطقة، وسوف يوفّر بعضها الفرصة لتبادل الخبرات وزيادة التّدريب، في حين ستركّز اجتماعات أخرى على استخدام الفنون وإثراء الثّقافة.  كلّ هذه الاجتماعات ستعمل على دعم عمليّة مكثّفة من العمل والمشورة والتّعلّم.

  على الأحباء الّذين يشاركون في برامج النّموّ المكثَّف هذه أن يأخذوا بعين الاعتبار بأنّ الهدف هو ضمان وصول رسالة حضرة بهاء اللّه إلى جموع البشر، فتمكّنهم من إحراز التّقدّم الرّوحانيّ والمادّيّ من خلال تطبيق التّعاليم الإلهيّة.  فجموع غفيرة من شعوب العالم جاهزة، بل توّاقة حقًّا، إلى المواهب والأفضال الّتي يمكن لحضرة بهاء اللّه وحده أن يُنعم بها عليهم عندما ينذرون أنفسهم لبناء المجتمع الجديد الّذي  تصوّره.  وفي تعلّمهم منهجة عملهم التّبليغيّ واسع النّطاق، تغدو الجامعات البهائيّة مؤهّلة بشكل أفضل لتلبية هذا التّوق.  وليس بمقدورهم أن يدّخروا جهدًا مهما كان وتضحيةً مهما بلغت قد يُدعوْن لبذلهما.

 

مشـروع روحانـيّ

  ومن الواضح أنّ المخطّط المبيّن هنا قد يكون ملائمًا للعديد من الجامعات المركزيّة،إلّا أنّه لا يمكن تطبيقه في كلّ الحالات.  لذلك نعتمد على مقدرة المؤسّسات البهائيّة في ابتكار خطط، إن لم تعكس كامل المخطّط أعلاه، تتضمّن عناصر من رؤية هذا المخطّط وفقًا لظروف كلّ جامعة مركزيّة.  وهذه الجامعات بالطّبع تعمل في طيف من النّشاطات الضّرورية كالمعلومات العامّة، والإعلان العامّ عن الأمر المبارك، والعلاقات الخارجيّة، وإصدار المطبوعات، ومشاريع التّطوير الاجتماعيّ والاقتصاديّ المعقّدة.  ونحن على يقينٍ بأنّ الجامعات البهائيّة سوف تتصدّى لهذه التّحدّيات بينما هي مشغولة في ابتكار الخطط.

إنّ طبيعة عمليّة التّخطيط الّتي ستساعدون الأحبّاء بها فريدة من نواحٍ عديدة.  فهي عمليّة روحانيّة في جوهرها، تجهد فيها الجامعات والمؤسّسات لموائمة مساعيها مع إرادة اللّه.  فالخطّة الإلهيّة العظمى مستمرّة في عملها، والقوى الّتي تولّدها تدفع البشريّة نحو قَدَرِها المحتوم.  فيجب على مؤسّسات الأمر المبارك، في خطط عملها الخاصّة، أن تسعى لاكتساب البصيرة في عمل هذه القوى العظمى، وأن تستكشف طاقات وقدرات الأشخاص الّذين تقوم هذه المؤسّسات على خدمتهم، وأن تحصي الموارد ومواطن القوى المتوفّرة في جامعاتها، وأن تتّخذ خطوات عمليّة لاستقطاب المشاركة الطّوعيّة للمؤمنين.  إنّ رعاية هذه العمليّة لهي المهمّة المقدّسة الموكلة إليكم، وكلّنا ثقة بقدرتكم على تنفيذها.  فليبارككم حضرة بهاء الله ويؤيّدكم بفضله العميم وتأييده العظيم. 

[التّوقيع:  بيت العدل الأعظم]